غزة | ليس ثمّة شيء أكثر خدشاً لصورة الصحافة الفلسطينية من أن يجتمع صحافيون فلسطينيون وإسرائيليون على طاولة واحدة. لا يبدو المشهد غريباً في ظلّ ترويض السلطة لعدد من الفلسطينيين. في الذكرى الـ 67 للنكبة، وتحت مظلّة الأمم المتحدة، اجتمع صحافيون فلسطينيون بنظرائهم الإسرائيليين! على مدار يومي 26 و27 من الشهر الماضي، احتضنت العاصمة الكازاخستانية أستانا، حدثاً كُسرت فيه كلّ الخطوط الحمر البديهية عند أيّ فلسطيني يزرح تحت وطأة الاحتلال.
تحت عنوان: «تحديات الإعلام في تغطية المسألة الفلسطينية ـ الإسرائيلية لتعزيز السلام في الشرق الأوسط»، اجترّ الصحافيون الفلسطينيون المشاركون سرديات السلام المعهودة بينما فُتحت شهيّة الصحافيين الإسرائيليين لتبيان حسّهم «الإنساني»، وهوّيتهم اليسارية الأقلّ تطرّفاً من قياداتهم. كان المنتدى أشبه بمسرحية هزلية، حيث صافح الصحافي الفلسطيني نظيره الإسرائيلي، وتقاسم معه الهموم والتحديات، كأنّ الواقعين الفلسطيني والإسرائيلي سيّان.

اجترّ الصحافيون
المشاركون سرديات السلام المعهودة

شهد المنتدى مشاركة كلّ من: ملاك منصور ممثلة عن وكالة «وفا» الرسمية التابعة للسلطة، ورائد عثمان ممثل عن وكالة «معاً»، ومحمد حداد ممثل عن قناة «الجزيرة»، وموسى قواسمي ممثل عن «رويترز»، وجدعون ليفي ممثل عن صحيفة «هآرتس»، وإيتاي انجل ممثل عن القناة الإسرائيلية الثانية، إضافة إلى وليد زعيتر أحد الممثلين في فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد. ومن الطبيعي في حدث مماثل أن يحجز «المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة» رياض منصور، مكاناً له في المقاعد الأمامية، برفقة الإسرائيلي يوسي بيلين الذي يُعتبر أحد أهم مهندسي اتفاقية «أوسلو».
من جهتها، أبدت «وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإعلام» كريستينا غاياك إعجابها الشديد بـ «الإرادة القوية التي أظهرها الصحافيون الفلسطينيون والإسرائيليون في التعرّف إلى بعضهم (...) فذلك سيمهّد لتشجيع طريق التسوية السلمية في الشرق الأوسط». هكذا، استخدمت الأمم المتحدة عدداً من الصحافيين الفلسطينيين كبالونات اختبار تجسّ من خلالهم إمكانية تدجين الجسم الصحافي الفلسطيني للانكفاء خلف البوّابة السلمية، والتحدّث باللسانين الإسرائيلي والغربي. فقد قالت غاياك إنّ «رسالة المنتدى تتمثّل في مناداة الصحافيين بحقّ إسرائيل في العيش بأمان، كما للفلسطينيين حقّهم في إقامة دولتهم».
وضمن محور «تحليل الخطاب في خضم الصراع»، أتحفتنا رئيسة تحرير النسخة الإنكليزية من وكالة «معاً»، ملاك منصور، بمداخلتها التي دارت حول منع الصحافيين الفلسطينيين من استصراح المسؤولين الإسرائيليين، معتبرةً أن «الخطاب الفلسطيني لا يغطّي بذلك سوى جانب واحد من الحقيقة»! كما وقعَت منصور في مغالطات عدّة خلال انتقادها للصحافة الإسرائيلية، وقالت: «أطلقت الصحافة على المستوطنين الإسرائيليين الذين هاجموا منزلاً في الضفة «المتطرفين»، في حين أن الفلسطيني الذي ارتكب الفعل نفسه، وصمته بـ «الإرهاب»». بذلك، وضعت منصور الفلسطيني والإسرائيلي في سلّة واحدة، ليتضح أن أقصى أمانيها تتمثّل في نعت الفلسطيني المُهاجِم بـ «المتطرّف»، بدلاً من «الإرهابي»! وخلال المنتدى، تحدث المصور الفلسطيني موسى قواسمي عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحافيين. ربما كان حضور قواسمي الذي أصيب برصاصة إسرائيلية في ساقه أثناء التغطية قبل أشهر، من أبرز المفارقات الفاقعة في المنتدى، إذ تجلس الضحية بجوار الجلاد، وتعفو عن الأخير بكلّ سعة صدر. كما أن مشاركة محمد حداد الذي يعمل في «الجزيرة» ويعتبر مؤسس النافذة الإنفوغرافيكية «ريمكس فلسطين» (الأخبار 4/12/2014) التي لطالما تغنّت المحطة القطرية بها، باعتبارها «أصل الحكاية الفلسطينية»، تؤكّد أنّ تلك النافذة ديكور خارجي للمحطة تُخفي سياستها الداخلية المطبّعة مع العدوّ الإسرائيلي. على مدى يومين، شارك هؤلاء الصحافيون في هذا الحدث التطبيعي، متناسين دماء زملائهم في غزّة... هناك حيث الحناجر ما زالت تردد «لا تصالح»!