على الأرجح، إنّ عدم تحطيم جهاز التلفزيون بعد مشاهدة الحلقة الأولى من الموسم الجديد من برنامج «هدي قلبك» (كل اثنين 21:30 على otv) يحتاج من أي متلق طبيعي إلى أن «يهدي» أشياء كثيرة في جسده، غير قلبه.بعيداً عن سماجة المقدم مارسيل خضرا ورداءة التفاصيل شكلاً ومضموناً، تستحق الفقرة الأخيرة من الحلقة وفي بلد مهووس بالأرقام القياسية، أن تدخل موسوعة «غينيس» كأحقر فقرة في تاريخ الإعلام المرئي.
في هذه الفقرة، اختار فريق عمل البرنامج الذي ينتمي إلى فئة برامج الكاميرا الخفية أن يفرغ بعضاً من «هضامته» الفائضة على عامل سوري في حلبة كارتينغ، فقام بنصب حاجز وهمي داخل الحلبة وانتظر مرور العامل وهو يقود إحدى السيارات لإعادتها إلى نقطة الانطلاق، وطلب منه رخصة قيادته، موحياً له بأنه جهة أمنية ليجيب العامل المتفاجئ والمرعوب بأنّه لا يملكها.
وجد مقدم البرنامج وهو شاب مفتول العضلات ضحل التفكير - أقله بحسب ما ظهر- في خوف العامل السوري فرصة لا تعوض لإخراج ساديته وإرضاء عقد النقص لديه، فأمعن برفقة زميله في التقديم في عملية إذلال الرجل.
أمر خضرا العامل بالركوع ومن ثم الانبطاح على الأرض، قبل أن يرغمه على التجرّد من ثيابه ليمعن بعدها في التهكم على شكل ملابسه الداخلية، علماً أن هذا الانحطاط ــ وعلى فظاعته ـ لم يكن سوى مقدمة لانحطاط آخر أكثر إثارة للقرف، إذ أرغم الضحية شبه العاري على وضع عصا في لباسه الداخلي السفلي - نعم حدث ذلك!!! والجري بوضعيته هذه وهو يهتف «بدي حرية». وما أن نفذ، حتى بدأ خضرا ومعاونه بالصراخ عليه متهمين إياه بالتظاهر والإخلال بالأمن، قبل أن يعرضا عليه فرصة وحيدة للنجاة من الاعتقال وهي وضع العصا مجدداً في لباسه الداخلي والجري هذه المرة وهو يهتف: «ما في شغل لهيك أنا عمبضهر بسعر رخيص».
اللافت أنّه كلما كانت الأمور تخرق القعر الأخلاقي أكثر وأكثر، كان منسوب الهيجان لدى خضرا يزداد ارتفاعاً، فأخذ يصرخ في العامل المنهار ويعطيه الأمر تلو الأمر، قبل أن يلبسه في رأسه «طربوش» البلاستيك الكبير الذي يوضع على الطرقات أثناء تنفيذ عمليات الأشغال ويطلب منه الركض حول المكان. راح المسكين يحاول تنفيذ ما طُلب منه وقد غطت القطعة البلاستيكية كامل رأسه وأثقلت حركته وحجبت عنه الرؤية.
عند هذا الحد، كان خضرا قد وصل ربما إلى «نشوته» الإبداعية، فقرر إيقاف الضرب ومتابعة حياته بشكل طبيعي كأن شيئاً لم يكن، لتنتقل الكاميرا فوراً لرصد تفاصيل صعوده إلى إحدى سيارات الكارتينغ وانطلاقته بها انطلاقة «جغولية شببلكية» تليق بالعظماء من أمثاله.
حسناً -عدا عن عرض الوقائع - ماذا يمكن أن يقال في حالات فاقعة الحقارة كهذه؟!
هل من داع لتعداد قائمة المتورطين التي تشمل كل من شارك في صناعة هذه المادة وأجاز عرضها؟!
هل من داع لتكرار الغضب على أجهزة رقابية ما زالت تطارد الأفكار الجريئة ومشاهد الحب في الأعمال الفنية من دون أن تحرك ساكناً لمواجهة إسفاف كهذا؟!
على الأرجح أنه لا داعي ولا جدوى.
فدورة الحياة كما دورة برامج الـ «أو. تي. في» مستمرة، وواضعو البرمجة لم يقبلوا إلا بأن يكون البرنامج التالي مباشرة لبرنامج «هدي قلبك» هو برنامج «جيل الانجيل».
من يدري، ربما اختلط الأمر على مسؤولي الشاشة البرتقالية، فظنوا أنّ التسويات التي تصح في السياسة تصح في تنشئة الأجيال، وأنّ جيلاً يردد تعاليم يسوع الناصري ويمارس أفعال مارسيل خضرا ورفاقه هو جيل يرضي الجميع.
بيروت ـــ 16 تشرين الثاني 2016

* إعلامي لبناني