تصلح الحرب الكلامية الدائرة بين «ال. بي. سي» و«أم. تي. في» على خلفية برنامج «تايك مي آوت ــ نقشت» كدليل واضح على أنّ المبالغة في المديح والهجاء موهبة لم يتقنها أحد بعد المتنبي كما اتقنها الاعلام اللبناني.
ففيما تواصل محطة المر - وهي للمناسبة المحطة التي تطل عبرها شخصيتي وجدي ومجدي - محاولة «تدعير» البرنامج المعروض على شاشة غريمتها وإقناع الرأي العام بأنّ نقمتها عليه هي نقمة منزهة لا هم لها سوى صون «شرف» المرأة اللبنانية والدفاع عن «قيم» المجتمع اللبناني، قررت «ال. .بي. سي» الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، فكالت في مقدمتها الاخبارية قبل نحو أسبوع عبارات مديح للبرنامج أوحت للمتلقي بأنّ «تايك مي آوت» نقطة تحول تاريخية في مسيرة نضال المرأة لا في لبنان فحسب بل في العالم.
لكن حقيقة الأمر أنّ البرنامج الذي يقدمه الممثل الموهوب فؤاد يمين ليس سوى برنامج ترفيهي مأخوذ عن برنامج اجنبي، وبالتالي فان محاولة فلسفة مضمونه شيطنةً أو تقديساً هي محاولة في غير محلها وليست سوى باب شكلي لحرب فرضتها نسبة مشاهدته العالية، وغير المتوقعة ربما.
فـ «ام .تي .في» التي شكل برنامج «الرقص مع النجوم» ذو التكلفة الضخمة حصانها الرابح طوال السنوات الماضية، لم تبتلع بسهولة انهياره امام برنامج عادي الانتاج «يشجع على الش...» كما وصفه موقع المحطة الالكتروني، خصوصاً أنّ هذا الانهيار تزامن مع انهيارات أخرى أبرزها انهيار الجزء الثاني من مسلسل «مثل القمر» أمام مسلسل «أمير الليل»، وخصوصاً ايضاً أنّ المحطة وعلى عكس ما توقعت وتوقع خصومها حتى، لم تهنأ طويلاً بتربعها الواضح العام الماضي على عرش المحطات اللبنانية، فصارت دورتها البرامجية الموفقة ما قبل صيف عام 2016 جزءاً من الماضي، لتجد نفسها مع مطلع هذا العام في المرتبة الثالثة خلف «ال بي. سي» و«الجديد» وفقاً لأرقام شركتي الأحصاء.
أما «ال. بي. سي»، فما زالت تعيش نشوة العودة الى المرتبة الاولى بعد عام ماض صعب احتلت فيه برامجها في وقت الذروة المرتبة الثانية وبفارق كبير. وعليه فهي لا تبدو في وارد السماح لاحد بالاقتراب من احصنتها الرابحة، وتدافع بالتالي عن برنامج «تايك مي اوت» الذي تنوي انتاج موسمين اضافيين منه على الأقل، دفاع أمّ عن طفلها المدلل الذي يرى المحيطون به عيوبه، وتراه هي منزها عن أي عيب.
على العموم، فان ما يحدث اليوم يشبه الى حد بعيد ما حدث عام 2009 يوم شكل النجاح الكاسح والمفاجئ لبرنامج «لول» على «أو. تي. في» مفاجأة غير سارة للمحطات الثلاث الأولى، فخاضت هجوماً عليه متسلحة بنفس المنطق ونفس الخطاب الأخلاقي. وشكلت حلقة «برنامج للنشر» يومها على قناة «الجديد» ذروة هذا الهجوم بعدما استضافت الحلقة وعلى الطريقة اللبنانية رجلي دين مسيحي ومسلم تناوبا على «هدر دم» البرنامج .
بالطبع جرى هذا كله بينما كانت المحطات الثلاث تحضر لبرامج تشبه مضمون «لول» حد التطابق، فكان برنامج «أهضم شي» لميراي مزرعاني على «أم. تي. في» وبرنامج «كلمنجي» على «ال. بي. سي» فيما اوقفت تجربة برنامج «تنكيت» للمخرج شربل خليل على «الجديد» قبل وقت قصير من ابصارها النور.
استمرت تلك المرحلة في حينه نحو ثلاث سنوات وانتهت بعد تراجع جماهيرية «لول» وفقدان «تابو» النكات الجنسية هالته، لتنخفض نسبة المشاهدة ويتوقف البرنامج فيما لم تحقق محاولات تقليده أي نجاح يذكر.
وكما تتشابه البدايات، ستتشابه الخواتيم وسيتكرر الأمر نفسه عاجلاً أم آجلاً مع برنامج «تايك مي اوت». فالانبهار بفتيات يرددن كلمات مزدوجة المعاني ويعلنّ صراحة عن رغباتهنّ الجنسية سيتلاشى بمرور المواسم، خصوصاً بعد أن تظهر نسخ مشابهة على التلفزيونات المنافسة و«تُحلب» الفكرة التي تنقط ذهباً حتى آخر قطرة.
وعليه، فان هلع المعترضين غير مبرر، لأنّ مطلبهم سيتحقق بمرور الوقت، علماً أنّ جزءاً غير يسير منهم يشكل نسبة من مشاهدي البرنامج.
المؤكد أنّه حين يتحقق المطلب، سيعود فؤاد يمين الى عالمه ليؤدي أشياء تشبهه اكثر بكثير مما يشبهه «تايك مي آوت». وقد نراه على الخشبة في دور شبيه بذلك الذي أداه في مسرحية «انجازات حياة» لكميل سلامة أو مشاركاً كقيمة فنية مضافة في فيلم ذكي وسلس كفيلم «كتير كبير».
ان فعل ذلك وهو على الأرجح فاعل، سيكون رب العائلة المعترض على «تايك مي اوت»، مطالباً بأن يطفأ جهاز تلفازه ويرفع مؤخرته عن الكنبة ويتوجه الى المسرح أو السينما للمشاهدة، لا هو فحسب بل هو وأفراد عائلته، فالحرب هي بالأفعال لا بالأقوال، ومن لا يعجبه «تايك مي اوت»، يجب أن يقال له «تايك» أولادك «آوت» الى حيث النماذج المختلفة من الترفيه الفن ومن ثم تكلم!