وأنا أطالع الكم الهائل من المقالات التي جعلت في الثامن من آذار من المرأة وحقوقها والنسوية موضوعها اليومي ــ كفّارة «كلّ سنة مرّة» ــ استوقفني مقال قصير على موقع صحيفة «تلغراف» البريطانية يتحدث عن نية العلامة التجارية الأميركية «نايكي» تسويق حجاب تابع للزي الرياضي النسائي وسرور «الرياضيات المسلمات» (لا المحجبات) بهكذا إعلان.
ولأنني أعتبر نفسي شخصياً نسوية ويعنيني كل مكسب يمكن أن تحققه النساء نحو التمتع بحقوقهن، يسعدني طبعاً أن أرى اللواتي اخترن ارتداء الحجاب، يحظين أخيراً بفرصة خوض المنافسات الرياضية المحترفة، وكسر تلك المعادلة الضيقة التي تسكن رأس كثيرين ــ وكثيرات ــ وتجعل من كل محجبة مرادفاً لامرأة خاضعة لسلطة ذكر ما، أباً كان أم أخاً أم زوجاً. لكن في المقابل، أثار فضولي ــ لكي لا أقول عجبي ــ موقف «نايكي» الإنساني، بل «المناضل»، الذي صراحة لم أعهده من طرف علامة تجارية تصنع بضاعتها أيادي أطفال بلدان جنوب آسيا مقابل دراهم معدودة، لتباع في المتاجر بعشرات أو مئات الدولارات.
للإجابة على استفهامي، شاهدت الفيديو الترويجي الذي أنتجته «نايكي» في هذه المناسبة، متعطشة لاكتشاف المشاهد الأولى لهذا النضال النسوي، وهذا ما وجدت: على وقع موسيقى ترتفع أنغامها شيئاً فشيئاً بنَفَس ملحمي، يصلنا صوت امرأة تتحدث بلكنة خليجية عن تعدد التحديات التي تواجه النساء ــ محجبات كن أم لا ــ اللواتي يخترن احتراف الرياضة. وتأتينا بين الفينة والأخرى مشاهد جديرة بأفلام لورنس العرب، بين فارس بدوي يركب حصانه عبر الصحراء، وامرأة مكحلة العينين والجفون أثقل صدرها حلي الذهب وسطوح منازل قديمة ذكرتني بالمسلسل الأميركي المتهم بالعنصرية «هوملاند». تساءلت عندئذ إن كانت معظم الرياضيات المسلمات عموماً، والمحجبات على وجه خاص، يأتين من بيئة مماثلة، لا من مدن عصرية ــ كما هي أغلب العواصم العربية ــ بل هل الرياضيات المحجبات لا يعشن إلا في العالم العربي، خلافاً لمبارزة السيف الأميركية، ابتهاج محمد، أو لعارضة الأزياء الأميركية المسلمة والمحجبة، حليمة عدن، التي لفتت الأنظار أخيراً وهي تستعرض للعلامة التجارية الشهيرة «ماكس مارا» في ميلانو؟
وعلى ذكر الموضة وعروض الأزياء ــ ونحن بعيد أسبوع الموضة في باريس ــ قد يذكر بعضهم الجدل الذي أثير السنة الماضية في فرنسا في نفس هذه الفترة إثر تصريحات وزيرة العائلة والطفولة وحقوق المرأة الفرنسية، لورانس روسينيول، في حديثها عما يسمى بـ «الموضة الإسلامية» التي تبنتها كبار العلامات التجارية. يومها، شبّهت النساء اللواتي يرتدين الحجاب بالـ «زنوج [هكذا] الذين اختاروا العبودية»، انحيازاً لخطابات الأنثوية الفرنسية الرسمية، ضاربة عرض الحائط جميع الاعتبارات الاقتصادية التي دفعت بمؤسسات شهيرة أوروبية مثل «دولتشي آند غابانا» وغيرها إلى ولوج هذه السوق التي توصف خطأ بالدينية.
في زمننا النيو ليبيرالي الذي يطمح إلى تحويل جميع مكوّنات عالمنا من قيمة استخدام لقيمة مبادلة ــ أو حتى لا نقتصر على معجم ماركسي لتحويل كل ما يوجد حولنا ماديا كان أم معنويا لسلعة تباع وتشترى ــ قد يجدر بنا الخروج من هذه النظرة الثنائية الضيقة ــ ديني/علماني، حداثي/رجعي ــ من أجل نقلة نوعية تمكننا من التطرق إلى هذه الظواهر لا من المنظور الديني أو النسوي كما يروج له، بل من المنظور الرأسمالي والاقتصادي (على غرار مسائل أخرى مثل البنوك الإسلامية وصناعة الحلال) حتى يتبين لنا أن الشركات التجارية الدولية لا يعنيها كثيراً تضاربها الظاهري مع مبادئ المجتمعات الأوروبية، طالما أنّها تضمن مبدأ الكسب والفائدة. من قدر النسوية، تماماً كأخواتها من التيارات النضالية اليسارية، رفض جميع أشكال السيطرة والاستغلال مهما كانت «وردية» أو مبيتة.