دمشق | الخطأ التاريخي بالنسبة إلى الدراما السورية، أنّه لم تُبذل جهود وفق رؤية استراتيجية لحمايتها مما وصلت إليه اليوم. لم تبن سوق فضائية سورية خالصة تتمكّن من حمل قسط كبير من النتاج السنوي. هكذا، كنتيجة تبعية للحرب، أصبحت عملية البيع مرهونة بضرورات متعددة، أبرزها تطعيم المسلسل بأجواء من البلدان المجاورة، بخاصة لبنان.
أمر أفقد العمل السوري شيئاً من بريقه أو خصوصيته، ووضع المشاهد أمام فوارق واضحة بين أداء الممثلين، من حيث التماهي مع الشخصيات، وحرفة تقمصها ببراعة بالنسبة إلى عدد كبير من الممثلين السوريين، إضافة إلى خفة الظل واللهجة المحببة لدى المشاهد. فضلاً عن أن دخول ممثلين لبنانيين في العمل السوري، ومحاولة خلق خط لبناني وإن كان مبنياً على مبررات درامية صلبة، لن يفي بغرض التسويق الجيد، لأن ّغالبية القنوات اللبنانية لا تدفع أفضل بكثير من المحطات المحلية السورية.
هذا العام ونتيجة الضعف التسويقي الظاهر بوضوح، يمكن القول فعلياً بأننا وصلنا إلى بداية النهاية، بالنسبة إلى الصنعة السورية البارعة. ولعلها السنة الأخيرة التي نشاهد فيها أعمالاً سورية خالصة، تحاول محاكاة الواقع المحلي والنبض بإشكالياته، وتتجسّد بلسان ممثليه المكرّسين والشباب. نلاحظ ذلك بعدما فشلت عملية تسويق عدة أعمال سورية هامة أولها كوميديا «سايكو» (عن نص لأمل عرفة وزهير قنوع ــ إخراج كنان صيدناوي ــ إنتاج شركتي «زوى» و«الأمل» ــ بطولة عرفة، وفادي صبيح، وأيمن رضا، وفايز قزق، وناظللي الرواس، وروبين عيسى، ويحيى بيازي، إضافة إلى طوني عيسى، ورولا شامية، وطارق تميم، وماريو باسيل من لبنان). حول خروج المسلسل من السباق الرمضاني رغم ما قيل بأنّه صنع بمزاج عال، علقت صاحبته على صفحتها على الفايسبوك، موجهة خطابها لمن يهمّه الأمر، قائلةً: «لم نتلق عرضاً لائقاً بالمستوى الفني، والإنتاجي الذي عملنا عليه في تنفيذ المسلسل بأعلى المستويات التمثيلية والإخراجية والإنتاجية. العروض كانت كثيرة بالنسبة إلى من يريد الاصطياد في الماء العكر، لكن تختلف أساليب الطرح ما بين تاجر حقيبة، وبين صاحب فن نال نصيبه من التعب، ويليق شغله باسم الدراما السورية التي تحترم نفسها.

تطعيم المسلسل بعناصر خارجية أفقده خصوصيته، إلى جانب العقلية التجارية السائدة

يجب القول هنا إنّني لو حبست العمل داخل الصناديق، فلن أرمه صيداً لكل من يحبّ أن يرى الدراما السورية تهوي في اتجاه الترجي والتملّق والمحسوبيات داخل وخارج البلد». تلخّص أمل عرفة في حديثها القضية، مكتفيةً بالتلميح إلى النيل من الصناعة السورية الأبرز، ومحاولة إنهائها كليّاً، تماماً كما دمرّت جميع المفاصل السورية اللامعة، سواء وفق منطق خليجي رتّب عبر زمن طويل، أو من خلال العقلية التجارية التي تدير غالبية المحطات. هذه الأخيرة تدرك بأنّ المحنة الكبرى التي تمر على سوريا، ستدفع أهل الشام إلى بيع بضاعتهم بأسعار بخسة. لم يقف ضعف التسويق عند العمل الكوميدي، بل تعدّاه إلى واحد اجتماعي مهم أيضاً هو «شبابيك» (ورشة كتّاب بإشراف بشار عبّاس وإخراج سامر البرقاوي- إنتاج «سما الفن») رغم أن العمل استقطب عدداً من النجوم المرموقين بينهم: بسام كوسا وسلافة معمار وكاريس بشّار وفادي صبيح... ورغم أن الجهة المنتجة لا تؤجّل عرض أعمالها عادة ولو عجزت عن التسويق ــ تعطي نتاجها لقناتها «سما» إلى جانب بقية المحطات السورية ــ إلا أنّها اختارت هذه المرة الاحتفاظ ببضاعتها حتى يأتيها السعر الجيد.
ولا أحد يعرف ما الذي سيغير المعادلة ويخلق فرص عرض من الآن فصاعداً. ورغم أنّ الشغل على مقترح الشخصيتين الشهيرتين «ريا وسكينة» في مسلسل بيئة شامية ينسجم مع شرط التسويق ــ ورغم ما عرف عن براعة الشركة المنتجة، بمواربة الظروف، وتحقيق البيع الجيّد ــ إلا أنها فشلت هذه المرّة ببيع «وردة شامية» (لسليمان عبد العزيز وتامر اسحق ــ بطولة سلافة معمار وشكران مرتجى وسلّوم حداد ــ إنتاج «غولدن لاين») وأرجئ عرض المسلسل حتى إشعار آخر. والسبب هي الأسعار البخسة التي تدفعها المحطات في البضاعة السورية. من جانبه، لم يلحق المخرج سمير حسين إنجاز «فوضى» (كتابة حسن سامي يوسف ونجيب نصر ــ إنتاج «سما الفن» ــ بطولة سلوم حداد، وفادي صبيح، عبد المنعم عمايري، وسامر اسماعيل، ورشا بلال) كما كان متوقعاً ومعروفاً بعد تأخير التصوير نتيجة الخلافات التي دارت حول العمل، واستبعاد مخرجه الليث حجو. الحال ذاتها مع المخرج محمد عبد العزيز، ومسلسله «ترجمان الأشواق» (عن نص فيلم لعبد العزيز ــ كتابة بشار عباس ــ بطولة عباس النوري، وغسان مسعود، وفايز قزق، وثناء دبسي، وشكران مرتجى) الذي لم يلحق بالموسم الرمضاني، رغم المساحة الكافية التي أخذها في التحضير والتصوير. كما عرقل الشق الإنتاجي الممثل والمخرج مهند قطيش من إتمام مسلسله «هواجس عابرة» عن نص كتبه بنفسه بمشاركة حسن مصطفى. ورغم دخوله التصوير باكراً، إلا أنه توقّف فترة طويلة جداً، ريثما يدبّر الشأن الإنتاجي، وهو ما حال دون لحاق المسلسل بالموسم، علماً أنّ هذا لا يلغي غياب أي عروض مدهشة لبيعه.
خلاصة القول بأنه لن يجدي الدراما السورية نفعاً سوى افتتاح محطات وطنية خاصة وحكومية، لتصبح سوقاً مكتملة تتمكّن من حمل الصناعة الأبرز عربياً، وهو عكس ما يحصل حالياً، في زمن تغلق فيه المحطات الرسمية أبوابها. كذلك، لا يمكن لهذا الشرط أن يتحقق، قبل نهاية الحرب وبدء عملية إعادة الإعمار الفعلية.