القاهرة | يقول عنوان الخبر «بعد وفاته بساعات... فنانة شابة تكشف سراً خاصاً في حياة عمرو سمير». هذا «السر الخاص» الذي «كشفته» الفنانة عن الإعلامي المصري الذي توفي شاباً قبل أيام عن 33 عاماً فحسب، اتضح إنه ما يلي: «لم يكن عمرو ينقطع عن الصلاة». ربما لم يكن هذا ما توقعه القارئ بسبب الصياغة الساخنة للعنوان، لكن المراد قد تم: لقد ضغط القارئ على رابط الخبر، وانتهى الأمر.
حتى قبل زمن الانترنت والترافيك (عدد الزوار) والتريند (الخبر الرائج)، كانت أخبار موت المشاهير سلعة رائجة و«آخر خبر في الراديوهات» كما تقول أغنية نجم/ إمام عن موت تشي غيفارا. ربما يعدّ نجم الكوميديا عادل إمام صاحب الرقم القياسي في شائعات وفاته، فلم تنافسه ــ قبل رحيلها- سوى الشحرورة صباح. كما أن التعازي قدمت في جورج سيدهم ــ رغم أنه على قيد الحياة ــ مرات لا حصر لها. غير أن السنوات الأخيرة، سنوات السوشال ميديا، أضافت نوعاً جديداً، «معاكساً» من شائعات الوفاة، ألا وهو شائعات نفي الوفاة.

وبسبب ذلك النوع المعاكس، ظل الجمهور غير متأكد من خبر وفاة الفنانة الكبيرة فاتن حمامة رغم إذاعته على المحطات الرسمية، لأن مواقع وصفحات على الانترنت دأبت على نفي الخبر، زاعمة أن مقربين من فاتن ينفون وفاتها.
تستغل تلك المواقع حب الجمهور لهذا الفنان أو ذاك، وما يخلقه هذا الحب من أمل طفيف في أن يكون خبر الموت كاذباً، ثم ما يسببه هذا الأمل من ضغطات على روابط الأخبار التي تقدم للقارئ ما يتمناه بغض النظر عن الحقيقة.

يخفت صوت ما قدمه الراحل من فن، ويعلو صوت الحوادث والمشرحة وخلافات الورثة

غير أن التنافس الضاري في عالم الانترنت الخبري، وما يتطلبه أحياناً من «تقسيم» الخبر إلى أخبار متعددة منفصلة تحاول جلب أكبر عدد ممكن من القراء بصياغات متنوعة للعناوين، قد انعكس على أخبار الموت أيضاً بوصفها مصدراً لـ «الترافيك» لا يخيب، ولم يعد خبر موت فلان مناسبة لرثائه أو تذكر حياته أو أعماله فحسب، بل ربما لم يعد كذلك على الإطلاق، بل صار مناسبة للتنقيب في كل ما يخصه – أو يخص المقربين منه - سعياً إلى عنوان يجذب القارئ. ولو لم يكن هذا الخبر الجذاب موجوداً، يتم اختراعه.
هكذا صار «آخر ما كتب الراحل على فايسبوك» خبراً، و«صورته الأخيرة على انستغرام» خبراً آخر، وكذا آخر تغريدة على تويتر، وتغريدات زملائه، و«البكاء والانهيار في الجنازة» ـ كأنه أمر غريب - خبراً، و«حقيقة الشبهة الجنائية في وفاة الراحل» حتى لو كانت الميتة طبيعية، و«حقيقة الخطأ الطبي» ولو كانت الوفاة بعد صراع سنوات مع المرض، ولا يتم استنفاد سيرة الراحل في لحظة موته فحسب، بل تتم استعادتها في كل موت شبيه. فلو ماتت فنانة أثناء عملية تجميل، تنشر الصحافة ملفاً عن «فنانات قتلتهن عمليات التجميل». ولو كان الراحل شاباً رحل بنوبة قلبية، مثل عمرو سمير، تتم استعادة كل الذين رحلوا في شرخ شبابهم. وفي كل تلك الاستعادات، يخفت صوت ما قدمه الراحل فعلاً من فن أو منتج ثقافي، ويعلو صوت الحوادث والمشرحة وخلافات الورثة والأطباء، فضلاً عن رياضة تحليل الفلسفة الكامنة في آخر «بوست» كتبه الراحل، ويكون السؤال المحبب: «هل كان يشعر بموته القريب؟» يريد الجميع أن تكون الإجابة «نعم».