باريس | غيّب الموت أخيراً التشكيلي الجزائري الكبير شكري مسلي (86 عاماً ــ الصورة)، آخر الأحياء من أقطاب «جماعة 51» الفنية التي تأسست عام 1952 على يد مجموعة بارزة من الكتّاب والتشكيليين التقدميين الجزائريين. منذ خطواته الأولى الجريئة على الساحة الفنية لبلاده، أواخر الأربعينيات، عمل مسلي دوماً من أجل التأسيس لدور طليعي للفنانين الجزائريين دفاعاً عن قضايا شعبهم. بين 1947 و1948، تتلمذ على يد رائد فن المنمنمات الإسلامية، التشكيلي محمد راسم، ثم أسس برفقة الشاعر الجزائري الكبير جان سيناك مجلة «شمس» في عام 1950، قبل أن يشكّل ثلاثياً شهيراً مع الروائي كاتب ياسين والتشكيلي الكبير أمحمد إسياخم، من خلال «جماعة 51».
مع اندلاع حرب التحرير الجزائرية، غادر مدرسة الفنون الجميلة في باريس، للانخراط في النضال الثوري. بعد استقلال بلاده، تولّى إدارة مدرسة الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة، ثم أسس «الاتحاد الوطني الجزائري للفنانين التشكيليين» عام 1963.

في موازاة نضالاته السياسية في صفوف «حزب الطليعة الاشتراكية» (الحزب الشيوعي الجزائري سابقاً)، أسّس مسلي في عام 1967 مجلة «أوشام» الفنية التي أطلق من خلالها تياره التشكيلي الخاص. حمل الأخير تأثيرات أفريقية بارزة، وتخرجت منه أجيال عدّة من التشكيليين الذين اشتغلوا بشكل خاص على فن الوشم الأفريقي والحروفية العربية والأمازيغية.
لا تزال بصمات هذا التيّار الفني الذي أسّسه مسلي ماثلة على الساحة الفنية لبلاده، من خلال أعمال تشكيلية ومنحوتات عديدة تتصدر شوارع العاصمة الجزائرية وساحاتها، في مقدمها الجدارية الضخمة التي أُنجزت عام 1983، تحت إشراف الراحل، بعنوان «الثورات الثلاث» (مئة متر مربع). ولا تزال الجدارية تتصدّر واجهة «ساحة صوفيا» الشهيرة، بمحاذاة البريد المركزي، في وسط مدينة الجزائر.
في أعقاب انتفاضة الشباب في خريف 1988، كان مسلي في طليعة المثقفين الجزائريين الذين انخرطوا في الحراك الجديد من أجل الحريات الديموقراطية، من خلال تأسيس «تجمع الفنانين والمثقفين والعلماء ضد التعذيب»، الذي اشتهر باسمه المختصر «رايس». لكن تفجّر العنف والاقتتال الأهلي عصف بأحلام التغيير والديموقراطية التي ناضل مسلي طوال حياته من أجلها. هكذا، اضطر إلى الانتقال إلى المنفى الباريسي، حيث تفرّغ لأعماله وأبحاثه التشكيلية، وأقام معارض عديدة؛ آخرها معرض استعاد أعماله كلها في «المركز الثقافي الجزائري» في باريس عام 2014.