التراشق الحاد بين قناتي «الجديد»، وnbn بلغ مستوى عالياً جداً من الشتائم والعبارات القاسية والتوصيفات المهينة، لا سيمّا من جانب nbn. وكانت الشرارة الأولى قد اشتعلت مع خلفية إعلان تحسين الخياط رئيس مجلس إدارة «الجديد» في عيد قناته الخامس والعشرين، بأنّ لا «البلطجية» ولا «رئيسهم» قدروا على المحطة.
هذا الكلام لم يكن سحابة عابرة، أو لحظة مرّ بها زمن التلفزيون اللبناني، إنما يندرج ضمن المرحلة التي تسبق حمّى الانتخابات النيابية. لم يسبق للإعلام المحلي أن غاص إلى هذه الدرجة في الوحول، منذ تأسيسه. القنوات المتوزعة محاصصة على سياسيين، ورجال أعمال، لا تجد ضيراً في فرض خطاب خطر، ينسف أي علاقة فيما بينها، ويكرّس تشنجاً عالياً على منابرها وفي الشارع أيضاً.
أول من أمس، أعلنت «الجديد» عن رفع دعوى قضائية على nbn، معتبرةً مقدمة الأخيرة «سابقة في تاريخ الصحافة الخارجة استثنائياً من مجاري الصرف الصحي». وقبل ذلك، أعادت «الشبكة الوطنية للإعلام» تجديد خطابها ومفرداتها بحقّ الخياط، مع منسوب أعلى من مقدمتها السابقة. القناة وصفت الخياط بـ «أقذر وأكذب مخلوق على وجه الأرض»، مصاب بـ «جنون العظمة»، و«داء الكلَب»..

وصفت nbn تحسين الخياط بـ «أقذر وأكذب مخلوق على وجه الأرض»
الى جانب دعوى «الجديد» ضد القناة المذكورة، «أغارت» الجديد ليل أول من أمس على mtv، كاشفة ما سمته بـ «العملية الرضائية» التي حصلت بين قناة المرّ، ووزير الاتصالات جمال الجراح، في خفض الأخير تسعين في المئة من تكاليف «استديو فيزيون» (90 مليار الى 4 مليارات). في هذه المشهدية، دخلت mtv على الخطّ، ووجّهت سهامها تجاه «الجديد». وكمن يلقي الزيت على النار، أوردت على موقعها الإلكتروني أن الخياط لم يتطاول فقط على رئيس مجلس النواب نبيه بري، بل «تطاول أيضاً على رئيس الجمهورية ميشال عون».
الكباش بين «الجديد»، وmtv ليس جديداً، بلغ أوجه قبل أكثر من عام ونصف العام، على خلفية التخابر غير الشرعي لقناة المرّ. ملف خرج منه رئيس مجلس إدارتها ميشال المر «بريئاً» أمس. واليوم، تُكشف صفقات mtv عبر «الجديد»، لا سيما ما سمي بصفقة «الابتزاز» في مشروع «إيدن روك» على الرملة البيضاء، وعرض mtv الترويج الإيجابي لهذا المشروع في مقابل تلقيها مبلغاً مالياً يصل الى 200 ألف دولار.
المشهدية الإعلامية التي دخلت مرحلة خطرة، وعالية السقف، بعد أزمة باسيل/ بري، ومفردات الحرب التي طفت الى السطح من جديد بعد أكثر من 30 عاماً على انتهائها، تنذر بدخول الإعلام اللبناني نفقاً بدأت ترتسم ملامحه في اليومين الأخيرين: خطاب عنيف متبادل يهز الأعراف المتفق عليها بين القنوات. الأخطر أنّ هذا الخطاب غير معزول، بل يرتبط مباشرة بجمهور محزّب، ومتشنج، ينتظر أي إشارة للتحرك، ولهزّ البلاد الواقفة على الحافة، في انتظار اللحظة الذروة... لحظة اقتراب الموعد الانتخابي، التي ستشهد طبعاً أعنف مستوى من التخاطب. قد يكون ما مرّ علينا في الأيام الأخيرة، نقطة في مستنقع الآتي.