في السنوات الأخيرة، أرسى برنامجا «للنشر» (الجديد) و«هوا الحرية» (lbci) مفاهيم مشوّهة للبرامج الاجتماعية، واعتمدا مساراً قوامه السطحية والفضائحية.
كل اثنين، يكون المشاهد أمام سيل من الأخبار لا القضايا، التي ترتبط مباشرة بالاغتصاب والتحرّش وسفاح القربى وزواج القاصرات... غالباً، تستند هذه المواضيع إلى شهادات أناس يقطنون في مناطق نائية، يظهرون على الشاشة ليدلوا بدلوهم، ونكون في نهاية المطاف أمام غياب للمعالجة، لصالح تركيز على الفضائح والتشهير بالناس وانتهاك خصوصياتهم والغوص في قصصهم التي لا يقدّم سردها التلفزيوني ولا يؤخّر بالنسبة إلى الجمهور.
أمس الاثنين، وفيما كان جو معلوف يفتح في «هوا الحرية» ملفاً عمره عامين يتعلّق بقضية اغتصاب فتاة طرابلسية من قبل ثلاثة شبّان، كانت ريما كركي (الصورة) تستقبل في «للنشر» الصبية «إسراء» (20 عاماً) التي تزعم أنّها هربت من منزل ذويها بسبب «تحرّش» زوج أمها بها، ومحاولة والدتها «دفعها إلى العمل في الدعارة».
قد تبدو القصة مألوفة في قاموس «للنشر» وغيره من البرنامج المشابهة، إلا أنّ ما حدث في حلقة الأمس تعدّى كل حدود أخلاقية ومهنية (إذا ما وضعنا جانباً نوعية المواضيع المختارة وطريقة معالجتها). في الإعلان الترويجي، شاهدنا الوالدة تسقط أرضاً جرّاء «إصابتها بنوبة صرع»، لتقوم كركي وفريق عملها والابنة بمحاولة إسعافها.
قبل إصابتها بهذا العارض الصحّي إثر «مواجهتها» لابنتها، كانت المرأة التي طلبت تمويه وجهها تبكي بشدّة، متأثّرة بالكلام القاسي «إسراء» عنها. وبعد حصول الحادث، عرفت الكاميرا كيف تتفنّن في تحديد الزاوية المناسبة لتصوير ما يجري. فرأينا كيف ترتعش الوالدة وينتفض جسدها، فيما تمسك ابنتها بملعقة وتضعها في فمها خوفاً من بلعها للسانها قبل أن تحقنها بمهدّئ.
وجدت الحلقة المسجّلة في لحظات ضعف إنسانية، سبقاً تلفزيونياً، لتبني عليه محتوى فقرتها وتستقطب المزيد من المشاهدين. لم يحترم القائمون على البرنامج وجع هذه المرأة وفقدانها للوعي، في الوقت الذي أمعنت فيه الكاميرا بالتركيز على تفاصيل وجهها وجسدها، قبل أن تُكمل الابنة سرد القصة بعد «نقل الأم إلى المستشفى».
مرّة جديدة، يُستغل الناس في هذا النوع من البرامج، وتستخدم قصصهم ضمن إطار فضائحي بات منفرّاً لشريحة كبيرة من المتابعين/ات. واليوم تُضاف إلى المسار، سقطة جديدة تجلّت باستغلال حالة صحية حرجة، واستخدامها للترويج والتسويق، بعيداً عن الحدّ الأدنى من احترام الكرامة الإنسانية التي يبدو أنّها لم تعد موجودة ضمن معايير العمل التلفزيوني لدى البعض.