أنا آكل، إذاً أنا موجود

  • 0
  • ض
  • ض

بين محطة تلفزيونية وأخرى، ستجد في طريقك طاهياً بكامل طناجره وأطباقه وسكاكينه، كأن العالم بات معدة ضخمة لطحن الطعام. برامج الطبخ ليست فاصلاً ثانوياً بين البرامج «الدسمة»، إنما حصة أساسية تتنافس عليها المحطات. فـ «الشيف» لا يقل أهمية عن المحلّل العسكري في نشرات الأخبار، لكلٍ منهما مفرمته، في احصاء ما تحتاجه الوجبة المنتظرة: مقصلة لشرائح البصل والبطاطا والثوم، وأخرى للجثث والجرحى والمحاصرين. بشر وعجول، زبدة ودم يسيلان فوق المائدة بما يثير شهية المشاهد. وسوف يتسلل الطاهي إلى البرامج الفنية والثقافية في ركنٍ مجاور للضيوف، وفيما يكون الشاعر منهمكاً في أداء قصيدته، سيخطف المصوّر عدسته نحو الطاهي وهو يحرّك المزيج الذي أعدّه بسمنة من ماركة محدّدة، السمنة التي ترعى هذه الحلقة بشعرائها ونقّادها ومطربيها. سيكلّل الطاهي وجبته بعروق النعنع والبقدونس والمايونيز، فيما يغرق طاهي الحروب بدماء الضحايا ليدفنهم جميعاً في قبرٍ جماعي. وفي أحسن الأحوال سينقذ بعض الجرحى بسيارات اسعاف تمكّنت من دخول ميدان المعارك. هناك أيضاً برامج المسابقات لاكتشاف طهاة جدّد، ومذاق آخر للأطعمة، ذلك أن فلسفة المحطات العربية هي «أنا آكل، إذاً أنا موجود»، فالشعوب العربية تلتهم بعضها بعضاً، في الملاعق والسكاكين والسيوف، في أكبر وليمة كونيّة. بالطبع لن ننسى مسابقات أكبر طبق تبولة في العالم كاختراع مضاد لأسلحة القنص المتطوّرة، وأيضاً: محاربة البدانة الجسدية بالنحافة العقلية!

0 تعليق

التعليقات