... وفي «اليوم الكبير»، أثبتت القنوات المحلية أمس انحيازها الحزبي وتبعيتها السياسية والمالية بشكل واضح. المشهدية الأخيرة التي رست عليها التغطيات التلفزيونية المحلية، طوال نهار أمس، أعادت التأكيد على دولة الدكاكين. هي المرة الأولى التي تجرى فيها الانتخابات على القانون النسبي، وضمن ورقة مطبوعة سلفاً، وعازل انتخابي حديث... كل هذه العناصر كانت محطّ اختبار للناخبين/ات، وأيضاً لوسائل الإعلام التي كبلتها فترة الصمت الانتخابي، ما خلا وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظلت صفحات المرشحين/ات، ناشطة، وخاصة تلك المدفوعة sponsored، كما حصل مع المرشح لوسيان أبو رجيلي الذي استعان بصفحة «طلعت ريحتكم»، وبث منها فيديو للناخبين. في المقابل، جنّدت الشاشات المحلية نفسها للمحازبين وللشخصيات السياسية التي تملك الأموال لشراء الهواء، مع تغييب واضح لمرشحين/ات آخرين.

اقتراع... على الهواء

ضمن العراقيل التي شابت العملية الانتخابية، معرفة الناخبين/ات لكيفية الاقتراع. اختبر هؤلاء للمرة الأولى، قانون النسبية وتقنية الانتخاب عبر الورقة المطبوعة سلفاً، التي تضم اللوائح المتنافسة، وأيضاً الوقوف وراء عازل متوسط الارتفاع، تجنباً لأي عملية غش. في هذا الإطار، شاهدنا مراسل «المنار» هشام السيد حسن في «بنت جبيل»، يختبر الاقتراع في بلدته أمام الكاميرا صباحاً، ويوضح للناس كيفية حصول عملية الاقتراع. تبعه مراسل lbci، مالك الشريف في طرابلس، الذي انتخب مباشرة على الهواء في مسقط رأسه. فكانت تجربة لافتة من قبل المراسلين في اختبار ذلك على الهواء مباشرة.

الى جانب ذلك، فرض حصول العملية الانتخابية في يوم واحد بعد غياب تسع سنين، تحدياً للقنوات التي جنّدت مراسليها الثابتين المنتشرين في الدوائر الانتخابية، وضمن أقلام الاقتراع. تغطية النقص الحاصل في الكوادر البشرية، دفع «الجديد» مثلاً إلى الاستعانة بأشخاص في غرفة أخبارها، مهمتهم التشبيك مع الدوائر المنتمين إليها والاستحصال من هناك على لقطات وفيديوات طريفة أو مخالفة لقانون الانتخاب، فيما لجأت mtv إلى تدريب أشخاص لمدة 10 أيام، ليصبحوا مراسلين/ات ليوم واحد فقط، من ضمنهم عبّاس عبد الكريم (النبطية)، وميريلا أبي خليل (الكورة)، وكاترين دياب (بشرّي). الوجوه الجديدة التي خرجت على الشاشة، واختبرت التغطيات الانتخابية المباشرة، شاب أداؤها الكثير من المراهقة وقلة الخبرة، بدءاً من قلة الإلمام باللغة العربية، وصولأً إلى طريقة الوقوف أمام الكاميرا والإحاطة بالأجواء الميدانية. حتى إن بعضها ـــ ولقلة إدراكه بحساسية المناطق وضبط ما كان يحصل من إشكالات بين الأحزاب على الهواء ـــ كاد أن يشعل فتنة أهلية! هذا ما حصل مع مراسلة «الجديد»، زهراء فردون التي كانت في منطقة «طريق الجديدة»، تغطي إشكالاً بين محازبين لـ«حزب الله»، و«المستقبل». وإذا بها، تصّر على التركيز على صور وزوايا من شأنها أن تثير الفتنة الأهلية. المراسلون الذين كانوا محطّ اختبار للجمهور، لم يكونوا الوحيدين، الذين وقعوا في فخ اللامهنية وقلة الخبرة في الأداء. بعض المراسلين المعروفين، حوّلوا أنفسهم فجأة الى محلّلين سياسيين، أو متزلفين في السياسة، كما حصل مع مراسل lbci، سعد الياس الذي كان يغطي في منطقة «عاليه»، وإذا به يلقي ديباجة مديح بوليد جنبلاط وبالمختارة التي وصفها بـ«الموقع الوطني»، أو كما حصل مع رامز القاضي، الذي وصف زيارة جبران باسيل لعاليه بأنها تهدف الى «شدّ العصب المسيحي».هذا على صعيد الكوادر البشرية، أما تقنياً، فقد وضعت mtv، ثقلها في هذا الخط، إذ خصصت استديو جديداً، شاسعاً، يستطيع فيه المحاور أن يقف على مسافة 180 درجة تقريباً، أمام نوافذ كثيرة للمراسلين، وللانتقال معهم الى الأجواء الميدانية هناك. كذلك، برز الجانب التقني في أسفل شاشة mtv طوال النهار الانتخابي. إذ أوردت معلومات عن اللوائح وعددها، والحواصل الانتخابية، والمرشحين، مع ظهور للوائح على الشاشة كلما تحدث عنها المراسل. الصورة المبهرة التي حرصت mtv على إعطائها في التغطية الانتخابية، وهي بالطبع تنمّ عن تمويل سخي، قابلتها صورة مختلفة ومناقضة تماماً في القنوات الأخرى. مثلاً، اعتمدت otv على «سكايب»، لتغطية النقص البشري، أو استعانت برواد السوشال ميديا لتزويدها بفيديوات وتغطيات حيّة من اقلام الاقتراع.
بين «لبنان ينتخب»، الذي أطلقته lbci شعاراً على تغطيتها الانتخابية، و«الحدث عنا» (mtv)، و«عودة الديموقراطية» (otv)، و«خلّي صوتك على الجديد»، (الجديد)، تكاثرت الشعارات، وبقي الأداء يشوبه غياب المهنية، والتوازن المطلوب في الإطلالات التلفزيونية. otv، كانت من بين أكثر القنوات انحيازاً. كما حصل مع اقتراع المغتربين الأسبوع الماضي، في تكريس اللون البرتقالي على طول البلدان المقترعة، كذلك فعلت في الانتخابات النيابية، إذ لم تستح بهذا الكمّ الهائل من التغطية المنحازة والمسيّسة لـ«التيار الوطني الحرّ». تنقلت رسائل المراسلين/ات، في أماكن الثقل العوني، وفي الماكينات الانتخابية التابعة له. وجوه برتقالية، تتالت على otv، إما على شاكلة مقابلات أو نوافذ متعددة. رأينا مثلاً الشاشة البرتقالية مقسومة في فترة ما بعد الظهر، بين 3 مرشحين من 3 مناطق مختلفة: جبران باسيل من البترون، إدغار معلوف من«كفر عقاب»، ومسعود الأشقر من الأشرفية. التغطية المنحازة والمقفلة على otv، التي أقصت وجوهاً عدة عن شاشتها، سارت على دربها أيضاً، قنوات حزبية أخرى. nbn مثلاً، نشرت مراسليها على نقاط أقلام الاقتراع، مركزةً على المناطق التي تملك «حركة أمل» الوجود الأكبر فيها كمناطق الجنوب بدوائره المختلفة، وحتى قرى لم يسمع بها المشاهدون/ات، مع تذكير متكرر بأسماء اللوائح ومرشحيها، ولا سيّما في تلك المناطق. «المنار» أيضاً، التي كانت موجودة في أغلب النقاط الانتخابية، وقسمت شاشتها الى نوافذ مختلفة وصلت الى 16 على الأقل، ركزت على مناطق الثقل لـ«حزب الله»، واستصرحت العديد من وجوهه. قناة «المستقبل»، التي لم تخرج من فقاعتها الحريرية، برزت تغطيتها الفاقعة أيضاً، إذ ظلت الحدود الجغرافية بالنسبة إليها، تراوح بين بيروت والشمال، حيث الثقل الحريري بامتياز. القناة الزرقاء، التي جنّدت كوادرها، لاستصراح شخصيات ومناصري/ات التيار، لم تهتم بقواعد الصمت الانتخابي، بل فتحت هواءها لبث الدعاية السياسية، وحث الناس على الاقتراع، كما حصل في منطقة حاصبيا، مع مسؤولة الماكينة هناك التي دعت الى الإقبال الكثيف على الاقتراع لزيادة نسب الحظوظ في الفوز. وكان لافتاً، استضافة الإعلامي المصري عماد الدين أديب، الذي كتب أول من أمس، في صحيفة «الوطن» السعودية، مقالاً يمدح فيه سعد الحريري بعنوان: «الميلاد الجديد لسعد الحريري». في إطلالته على «المستقبل»، ركز عماد الدين أديب على أن لبنان «أرض نزاع إقليمي سياسي» بخلاف سوريا المنطقة المشتعلة عسكرياً.

تشبيك وتشابك بين التقليدي والافتراضي... وطغيان الإبهار على mtv التي مررت رسائلها السياسية


من جهة أخرى، فإنّ تمدّد الشبكة العنكبوتية، وتمظهرها بأشكال كثيرة، على المنصات الاجتماعية، ولا سيّما تويتر وفايسبوك، أمر أدى دوراً كبيراً في التغطية التلفزيونية، إذ تم التركيز على أهمية تشبيك القنوات التقليدية معها، وإرخاء ثقلها عليها، لجذب الجمهور. في انتخابات 2018، أصبح سهلاً انتشار شرائط الإشكالات والمناوشات التي حصلت في الأقلام الانتخابية (شكلت مواد دسمة لإضفاء بعض الإثارة على التغطية التلفزيونية)، وأضحى سهلاً أيضاً التقاطها من قبل الميديا التقليدية وإعادة بثها على شاشتها أو صفحاتها الافتراضية، أو أي لقطات طريفة يتوق المتصفحون/ات الى الاطلاع عليها. لذا برز هذا التشبيك والتشابك ما بين التقليدي والافتراضي، إن من حيث انتشار الهاشتاغات الخاصة بكل محطة، أو من خلال عملية عكسية، تمثلت في التقاط الشاشات طرائف ومعلومات من الناشطين أنفسهم. lbci، وotv، ركزتا في هذا المجال على بث نسب الاقتراع في كل منطقة عبر تقنية الغرافيكس، ونشرها بعد ذلك على المنصات الافتراضية. ظلت تيمة الاستعراض طاغية أكثر من جدية التعاطي مع ملف بحجم الانتخابات النيابية وفرز القوى السياسية ومعرفة أحجامها شعبياً، شكلاً وأداءً. مثلاً شعرنا مع أداء «الجديد»، وخصوصاً في انتقالها الى غرفة أخبارها مع مراسليها «الجدد»، أن ما تتحدث عنه يندرج ضمن حفل ترفيهي كمناسبة رأس السنة، أو كما فعلت mtv، بطغيان الشكل والإبهار على تقديم مضمون نوعي، مع إمرار رسائلها السياسية كالحديث الذي جرى بين فادي شهوان (الاستديو)، وسمير يوسف (الموفد الى الهرمل)، والتركيز على «الخرق» الذي ستحدثه «القوات» في لائحة «الأمل والوفاء» (حركة أمل وحزب الله)، مع تعداد للقوة «المسيحية» هناك، وتحديداً الموارنة.



تحية إلى «تلفزيون لبنان»
وسط تغييب واضح ومتعمّد لوجوه مرشحين/ات عدة، على الشاشات المحلية، التي ظلت تستهلك الوجوه عينها كل مرة، ضمن تكريس لولائها الحزبي وحتى المالي، كنا على الضفة الأخرى على موعد مع «تلفزيون لبنان». صحيح أن الشاشة الرسمية لا تلقى نسب مشاهدة عالية، الا أنها أبرزت جهداً لافتاً في تغطية الانتخابات النيابية أمس، عبر نشر مراسليها في المناطق المختلفة، مع ضعف لافت في التقنيات المستخدمة. التلفزيون الرسمي، المهمل شعبياً، استطاع إعادة التوازن في الاستضافات وفتح الهواء للأصوات المغيّبة. على سبيل المثال، ظهر المرشح في صيدا أسامة سعد الذي شكر للقناة لفتتها. كما كانت إطلالة للمرشح في دائرة الجنوب العميد هشام جابر الذي اشتكى أيضاً من تهميشه إعلامياًَ.