ينتظرُ كثيرون مسلسلات عادل إمام. «زعيم» الكوميديا العربية خلال سنواتٍ طويلة، اعتاد أن يزيّن الموسم الرمضاني منذ سبعة أعوام، بدأها عام 2012 بـ «فرقة ناجي عطالله»، وصولاً إلى مسلسله الحالي «عوالم خفيّة». تأتي هذه المسلسلات عادة من إخراج ابنه رامي إمام؛ فيما هذا هو العام الأوّل الذي لا يتعاون فيه مع كاتبه الأثير يوسف معاطي (تعاون معه في جميع أعماله الرمضانية السابقة)، إذ يستعين هذه المرّة بالمؤلفين أمين جمال، محمود حمدان، ومحمد محرز. يخرج إمام من عباءة الكوميديا هذه المرّة، ويقترب من القصص البوليسية وحبكات الإثارة والتشويق بعدما قارب في الأعوام السابقة قضايا سياسية، واجتماعية، حتى أنه تناول قصص الجن والخوارق. لكنه لم يقدّم نفسه جاداً إلا هذا العام؛ لذلك يمكن اعتبار العمل نوعاً من التجديد والخروج من عباءة المعتاد. تحكي قصّة المسلسل حكاية هلال كامل (عادل إمام) الروائي والصحافي المعارض المشهور الذي يعثر صدفة على مذكرات ممثلة شهيرة تدعى «مريم رياض» (رانيا فريد شوقي) قيل إنها انتحرت بسقوطها من طابقٍ مرتفع قبل سنوات طويلة. تخوض الحلقات الأولى في الصراعات التي يخوضها الصحافي المراقب من أجهزة أمن الدولة منذ زمنٍ طويل. في الإطار عينه، نلاحظ علاقته المتأرجحة مع عائلته، فتربطه علاقة قوية وجميلة مع حفيده عز «زيزو» (الممثل الشاب خالد أنور) الذي يسكن معه، لكنه يعاني في علاقته مع ابنته المحامية غادة (بشرى)، وزوجها وكيل مجلس الوزراء جمال (أحمد وفيق). ويستعرض العمل علاقته بالصحيفة التي أسسها مع صديقه دراز (صلاح عبدالله). تتعقد القصة حين يبدأ هلال كامل بربط التفاصيل الواردة في مذكرات الممثلة المنتحرة، فيخلص في النهاية إلى أنّها قتلت. يغوص في القضية مهملاً عمله، مما يضعه في مواجهة شخصيات «كبيرة» و«مهمة» تسببت في قتل النجمة، وستسبب في إيذائه هو شخصياً إن لم يتوقّف عن استقصاءاته.
من يقرأ في إيحاءات المسلسل، كما في أداء رانيا فريد شوقي، يمكنه بسهولة ملاحظة الشبه الكبير بين مريم رياض والراحلة الكبيرة سعاد حسني. إذ تبدو في أواخر عمرها شبيهة بالممثلة الراحلة. في الإيحاءات، يبدو الحديث في المسلسل عن مرحلة ما قبل آخر أفلام حسني «الدرجة الثالثة» (1988) الذي كان فشله ذريعاً، مما أقعدها في المنزل سنوات وسبب لها كآبةً كبيرة. لم تعد بعدها إلى السينما إلا بعد سنوات ثلاث مع فيلم «الراعي والنساء» مع بطل فيلمها الفاشل السابق، أحمد زكي. للمرة الثانية على التوالي، لم يكن الفيلم موفقاً، وإن كان أفضل من سابقه، لكن ذلك زاد كآبتها ودفعها إلى الاعتزال.
صحافي معارض يستقصي مقتل نجمة شهيرة تشبه ملامحها النجمة الراحلة


أدائياً، يُحسب لإمام ــ كما أشرنا ـــ أنه «زعيم» لناحية الأداء. صحيح أنه يبدو ممجوجاً لناحية «الإيفيهات» التي باتت معتادة في ما يسمّى اليوم «كوميديا الإيفيه» بمعنى الكوميديا القائمة على الجملة السريعة والمضحكة. ابتعد إمام عن شخصيته المعتادة لناحية زير النساء أو العاشق الملهم أو معشوق النساء أو حتى ضابط الشرطة الكبير (أو الوزير)، فاختار أن يبقى مثقفاً ومحباً للكتب، كما في مسلسله العام الفائت «عفاريت عدلي علّام»، وإن كانت شخصيته في «عوالم خفية» أكثر حدّة وقوة شكيمة. تؤدي رانيا فريد شوقي بحرفة شخصية مريم رياض. تقارب بشكلٍ أو بآخر شكل سعاد حسني في السبعينيات والثمانينيات، وتحاول تحديداً مقاربة صوتها وخامته الفريدة. في الإطار عينه، تخرج بشرى من عباءة أدوارها المعتادة، فتأخذ للمرة الأولى ربما دور الأم. أحمد وفيق من جهته يظل على عادته في أدواره، التي يتقنها منذ ظهور الأوّل في فيلمي «الآخر» (1999) و«سكوت هنحصور» (2001) للمخرج يوسف شاهين. فتحي عبدالوهاب بدور رؤوف ضابط أمن الدولة المسؤول عن متابعة قضية «هلال كامل»، يغرق في المشكلة نفسها كما وفيق. هو ممثل موهوب يمتلك قدرة كبيرة، لكن تبدو أدواره «الجادة» نسخةً كربونية عن بعضها: يتنفس بصوت مرتفع، يتهدّج صوته، ويستغرق في الكلام ببطء. أما هبة مجدي، فلا تزال تبحث عن نفسها في أدوار الصحافية «الشابة» المعجبة بمثلها الأعلى الصحافي هلال كامل. مجدي تمتلك موهبة كبيرة، لكنها لم تظهرها بالشكل المناسب حتى اللحظة. وكعادته، يحب «الزعيم» أن يفسح في المجال للنجوم الشباب لمشاركته في بطولة مسلسلاته: نجد خالد أنور الذي يشبه إلى حدٍّ كبير الممثل المصري الهوليوودي رامي مالك، يؤدي بشيء من السلاسة، فيما ينجح طارق صبري بدور ابن عادل إمام.
إخراجياً لا يمكن الحديث عن «إخراج» متطور في التلفزيون العربي عموماً. نحن أمام مشاهد مركبة بطريقة جيدة، مرتبة بإتقان، لكن لا «ألعاب» إخراجية ولا تقنيات تنقل المشاهدين إلى عالم آخر.
في المحصلة، يبدو المسلسل جميلاً وإن لن يخرج من عباءة «الكليشيه» المعتاد: سينتصر «القتلة» في النهاية، وسيخفون الحقيقة، ولن يسلّم أيٌّ منهم للقضاء؛ فهل هذا ما تخفيه الحلقات القادمة من المسلسل؟

* «عوالم خفية»: 21:00 بتوقيت بيروت على «cbc»
* 00.00 على «cbc دراما»
* 21:00 على التلفزيون السعودي