منذ أشهر، وإعلان منتج شركة Mezza للبيرة (الخالية من الكحول)، يغزو الشاشات اللبنانية. بتوليفته التسويقية الذكية، استطاع أن يعلق في أذهان المشاهدين/ ات، ولا سيّما في حركة هزّ الرأس التي تتكرر في مشاهد الإعلان. الأخير يصوّر شرائح اجتماعية وعمرية مختلفة ـــ من شباب وعجائز، إلى امرأة رياضية وأخرى محجّبة، مروراً بنساء حوامل... ــــ يحتسون المنتج ويهزّون برؤوسهم بعد ذلك، في حركة تماهى معها العديد ممن شاهده (رغم غياب الرابط بين احتساء المشروب وحركة الرأس). اليوم، يعاد الإعلان المذكور الى الواجهة، لكن هذه المرة، عبر شكوى قدمها الصحافي قاسم قصير أمس الى «المجلس الوطني للإعلام». عبر صفحته الفايسبوكية، دعا قصير من يوافقه الرأي إلى الانضمام إليه في هذه الخطوة، اعتراضاً على مضمون الإعلان، بتصويره فئات عمرية واجتماعية مختلفة تتناول المشروب، فيما ربطت قصة هزّ الرأس بـ«مفعول» المشروب على الأشخاص ولو لم يكن كحولياً! الشكوى أحالها وزير الإعلام ملحم رياشي الى «الوطني للإعلام»، الذي بدوره أصدر بياناً لفت فيه «نظر المؤسسات الرقابية والقضائية للقيام بواجباتها»، وطلب من شركة الجهة المعنية بالمنتج أن «تعيد النظر بهذا الإعلان، مع الأخذ في الاعتبار ملاحظات أصحاب الشكاوى»!
طالب «المجلس الوطني للإعلام» الشركة بـ«إعادة النظر» بإعلانها

طبعاً، سياق مضحك بدءاً في الأصل من تقديم الشكوى، وحيثيتها، وصولاً الى تحرّك وزير الإعلام، واستفاقة «المجلس الوطني للإعلام»، الذي بادر على الفور الى تلقي الشكوى، والتوجه الى شركة الإعلان. إذاً، تحرّكت الجهات الإعلامية الرسمية من رقابية، وصاحبة وصاية على الجهاز الإعلامي اللبناني، جراء أمر لا يستحق كل هذه الضجة، حتى إنه لم يلق صدى في مواقع التواصل الاجتماعي، كما جرت العادة، مع أي جدل يثار في بلاد الأرز. بل بخلاف ذلك، رأينا موجة عكسية تعمّ هذه المنصات الافتراضية، وتصف هذه الأجهزة بأنها أقرب الى «المطاوعة» وتسخر من تحرّكها السريع اليوم، على إعلان لا يستحق كل هذه الضجة، والامتعاض، مع إظهار كل هذا الحرص على صحة المواطنين، البصرية والجسدية على حدّ سواء! علماً بأن «المجلس الوطني للإعلام» لا تزال صلاحياته مقيّدة تندرج فقط في الإطار الاستشاري. المجلس الغائب لأشهر عن الساحة، وعن دوره حتى الاستشاري في ما خص أداء القنوات التلفزيونية، استفاق اليوم من سباته، ليتلقى شكوى الوزير، ويقول للشركة المنتجة بأن عليها «إعادة النظر» بإعلانها.
بعد مرور أشهر إذاً على اجتياح الإعلان منازل اللبنانيين، وتماهيهم معه ــــ حتى لو بشكل ساذج ــــ تحرّكت الدولة كحاضنة لشكاوى الناس، فيما الأكيد أن شركة Mezza ستبدأ في طرح إعلانها الجديد، مستغلة هذه المرة ضجة أكبر حولها، لم تبذل أي مجهود لصناعتها.