القاهرة | في سابقة هي الأوّلى من نوعها، قرّر «المجلس الأعلى للإعلام» في مصر الذي يرأسه مكرم محمد أحمد، حذف ستة مشاهد من أربعة مسلسلات مصرية عرضتها الشاشات في رمضان 2018. مارس المجلس للمرة الأولى رقابة «بعدية» تسمح له بتغيير نسخة العرض الثاني من الأعمال الرمضانية! من سيشاهد العرض الثاني من المسلسلات الأربعة («ضدّ مجهول»/ ﺇﺧﺮاﺝ طارق رفعت وﺗﺄﻟﻴﻒ أيمن سلامة، و«أيوب»/ إﺧﺮاﺝ أحمد صالح وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد سيد بشير، و«فوق السحاب»/ ﺇﺧﺮاﺝ رؤوف عبد العزيز وﺗﺄﻟﻴﻒ أحمد بريء، و«ممنوع الاقتراب أو التصوير»/ ﺇﺧﺮاﺝ زياد الوشاحي وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد الصفتي) لن يتابعها كاملة، بعدما قرّر المجلس حذف ستة مشاهد رغم أنها عرضت فعلاً على الجمهور في رمضان. أيّ إن من فاته العرض الأوّل، سيُشاهد نسخة أخرى مختلفة، من دون مراعاة ما إذا كان الحذف سيؤثّر على سير الأحداث الدرامية أم لا. قبل ظهور «المجلس الأعلى للإعلام» (تأسّس بناء على المادة 211 من الدستور الصادر عام 2014)، كانت الرقابة في مصر متتعدّدة وتحديداً على مستوى الرقابة التلفزيونية. كان لكل قناة رقابة خاصة بها، مما يفسّر وجود مشاهد مثلاً في مسرحيات كـ «العيال كبرت» و«شاهد مشفش حاجة» تعرض على قنوات خاصة، دون التلفزيون الرسمي المصري. لكن مع «مجلس الإعلام»، باتت الرقابة مركزية. إذ وضع المجلس عشرات الضوابط خصوصاً على الدراما والإعلانات والبرامج، كون رقابة الأفلام والمسرحيات لا تزال تابعة لـ«جهاز الرقابة على المصنّفات الفنية» التابع لوزارة الثقافة. ضوابط المجلس وصلت إلى حدّ تحديد عدد الحلقات التي يجب أن تكون مُنتهية من المسلسل قبل تسويقه للشاشات، إلى جانب عدد الفواصل الإعلانية. ضوابط في ظاهرها ترمي إلى تنظيم السوق والحدّ من الفوضى، لكنها في باطنها تسبّب إرباكاً كبيراً للعاملين في الصناعة.
طال الحذف مشاهد عنف وقتل وأخرى «تحرض على المخدرات والشعوذة»!

لم يتوقّع أحد أن يصل الأمر إلى حد حذف مشاهد عُرضت وشاهدها الملايين، وإن لم يعد هذا الأمر غريباً على الإعلام العربي في الآونة الأخيرة تحديداً المصري والسعودي. إذ طالب مكرم محمد أحمد، وزير الإعلام السعودي عواد العواد بحذف مشهد اعتبره بعضهم مسيئاً للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من مسلسل «العاصوف» (تأليف عبد الرحمن الوابلي وإخراج المثنى صبح) وهو ما تمّ فعلاً. كذلك استبعد «التلفزيون السعودي» الإعلامي المصري إبراهيم عيسى من قائمة أبطال مسلسل «أرض النفاق» (ﺇﺧﺮاﺝ سامح عبدالعزيز وﺗﺄﻟﻴﻒ يوسف السباعي) وتمّ استبداله بالفنان سامي مغاوري، بسبب مواقف عيسى ضد السعودية. وأخيراً، جاء حذف المشاهد الستة من المسلسلات الأربعة بناءً على تقارير لجنة الرصد الدرامي وما استقبله مكتب الشكاوى التابع للمجلس، وهي: مشهدان من «ضد مجهول» الذي تلعب بطولته غادة عبدالرازق. المشهد الأول قيام الأم بغسل جثة ابنتها، ومشهد إحراق المتهم الذي اغتصب ابنتها وقتلها، إذ ربط بعضهم بين طريقة قتله وواقعة استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد «داعش». كذلك، هناك مشهد قتل «حسن الوحش» (الفنان محمد لطفي) في مسلسل «أيوب» الذي جاء كالتالي: قيام زوجتي «حسن الوحش» بوضع مخدر له في الطعام، ومن ثمّ كتم أنفاسه حتى فارق الحياة، ووضعه داخل «بانيو» وإضافة مادة «البوتاس» التي أكلت جسده دون عظامه التي وضعتاها في أكياس بلاستيك وألقتا بها في الشارع.
كما تقرّر حذف مشهد في «ممنوع الاقتراب والتصوير» (بطولة زينة) يتعلق «بإهانة ذوي الاحتياجات الخاصة والتحريض على العنف ضدّهم». أخيراً، حذف مشهدين من «فوق السحاب» لهاني سلامة، لتضمّنهما «حوارات تحفز على التعاطي والإدمان والشعوذة». بعد مرور 24 ساعة على قرارات المجلس، لم تصدر أيّ ردود من منتجي تلك المسلسلات، وليس معروفاً ماذا سيحدث بالنسخ الإلكترونية المتوافرة لهذه المسلسلات على اليوتيوب. كذلك، فإنّ القنوات التي ستشتري حق عرض الأعمال الأربعة مجدداً، باتت مطالبة رسمياً بعرضها دون المشاهد الستة. تزامن القرار مع استقالة جماعية تقدّمت بها «لجنة الدراما» التابعة لـ«المجلس الأعلى للإعلام» بحجة تجاهل توصياتها وقراراتها بخصوص مسلسلات رمضان، واكتفاء مكرم محمد أحمد بما جاء في تقارير «لجنة الرصد الدرامي» التي تُحصي عدد مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات والألفاظ السوقية وغيرها في الأعمال. «لجنة الدراما» التي يرأسها محمد فاضل، تعرضت لانتقادات مُبكرة كون دورها الرقابي مرفوضاً، لكن ذلك لم يمنع مكرم من الإعلان عن استبدالها بلجنة أخرى خلال أيام.
ما سبق من تفاصيل وكواليس جعل بعضهم يتندّر على ما يدور داخل الجهة المطلوب منها تنظيم سوق الدراما المصرية، كونها استحالت نفسها مسرحاً لمسلسل درامي عن هذا التخبط وتلك الرغبة العارمة في الرقابة والتقييد بشكل عبثي. هذا الأمر يجعل ردود الفعل تجمع دائماً بين السخرية والدهشة والبكاء، على ما ستصل إليه الدراما إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه.