في نيسان (أبريل) عام 2015، كانت المرة الأولى التي تمتنع فيها قناة «الجديد» عن نقل خطابات أمين عام «حزب الله»، السيد حسن نصر الله، بشأن العدوان السعودي على اليمن. وسط الاصطفاف والانقسام الحاد الذي وسمَ الشاشات آنذاك، كان بارزاً التعمية التي مارستها المحطة، وتغطيتها على جرائم آل سعود. اليوم، يبدو أن الأمر يتكرّر، لكن مع مشهدية مختلفة، بدأت ترتسم منذ تنظيم القائم بالأعمال السعودي في لبنان وليد البخاري (أوائل الشهر الماضي) سلسلة لقاءات تحت مسميات عدة («فنجاة قهوة 1»، «فنجان قهوة 2»، و«فنجان قهوة 3»)، جمع فيها مرة الناشطين و«المؤثرين»، على مواقع التواصل الاجتماعي، «من أجل تحصين الفكر العربي من الأفكار الضالة والمتطرفة» كما غردّ البخاري وقتها على حسابه على تويتر. ومرة أخرى، «اقتحم» الأخير «بيت بيروت» في السوديكو، المعلم الشاهد على وحشية الحرب الأهلية اللبنانية، وجمع الإعلام المرئي، تحت عنوان «الإعلام المرئي والعيش المشترك». منذ ذاك الحين، برز أداء مختلف لـ «الجديد»، التي يبدو أنّها جنّدت شاشتها وهواءها خدمة وتلميعاً لسياسة المملكة.
(أروى مقبل ــ اليمن)

عبر هذه اللقاءات، قبض البخاري إذاً على مراكز التأثير في الرأي العام. نتحدث عن مواقع تواصل اجتماعي (ولو اختلفنا على حيثية وعلمية هذا الموضوع)، وأيضاً عن الميديا اللبنانية، تحديداً الإعلام المرئي الذي يسبح جلّه في مستنقع آل سعود.
قبل ثلاث سنوات، تاريخ بدء العدوان السعودي على اليمن، مارست «الجديد»، فعل التعمية على الرأي العام وعلى جمهورها بالتحديد، خدمةً للمملكة. هذه المرة، تزامن أداؤها المستجد، مع مشهدية دموية تزنر اليمن وأهله. عشرات المجازر سجلت منذ ذاك الوقت، وآخرها مجزرة حافلة الأطفال في صعدة، فما كان من «الجديد»، سوى تتبع تحرك البخاري، وتجنيد شاشتها لنقل تصريحاته المختلفة. أول من أمس، نقلت القناة وحدها بين كل الشاشات، المؤتمر الصحافي الذي أقامه البخاري في السفارة، مطلقاً مبادرة بلاده «الإنسانية»، تحت عنوان «أمنية من أجل تكريس صناعة الأمل». وقد أعلن فيها عن دعم السعودية لعوائل لبنانية في الاستحصال على تأشيرات الحج، وفي المساعدة الطبية لمرضى السرطان ولذوي الاحتياجات الخاصة. في هذا المؤتمر، قال البخاري إنّه أطلق هذه المبادرة «لتعكس الوجه الحقيقي للمملكة في خدمة الإنسان وصناعة الأمل». وبالفعل، حصل كما تريد المملكة مشاهدته في لبنان، من شراء ذمم الإعلام داخله، وتلميع صورتها الدموية التي لم تجف بعد على أرض اليمن.


بعد هذا النقل المباشر والعاجل، الذي عمدت مذيعة القناة ميشا جاويش إلى إعادة سرد تصريح البخاري حرفياً، عادت القناة ونقلت تصريحاته ثانية أمام وسائل الإعلام. وكان لافتاً هنا، أداء مراسلة المحطة راشيل كرم، التي سألته مرتين عمن يريد «دق اسفين» بين المملكة وسعد الحريري. وعادت وزايدت على البخاري عندما طلب من «الهيئة الرقابية» في لبنان معاقبة أي وسيلة إعلامية تبثّ «أخباراً كاذبة عن المملكة». هنا، تدخلت كرم، واقترحت عليه أن يرفع دعوى، وقالت مقاطعة: «هناك حرية للإعلام في لبنان». والمقصود طبعاً، من كل هذا الحديث هو «الأخبار». هكذا، تورطت كرم مع البخاري، وزايدت بشكل علني على معاقبة وسيلة إعلامية زميلة لها، تمارس دورها في النقد وتخرج عن سرب من وقع في أحضان المملكة. مساءً، وفي نشرة أخبارها، تصدرت أعمال «مملكة الخير» أخبار «الجديد». أخبرتنا أن البخاري أهدى «مستحقي التأشيرات» إلى الحج عوداً، وقرآناً، و«تيكيت». وفي التقرير الإخباري، أصرت كرم، على سؤال المتواجدين في السفارة السعودية، الذين «أكرمتهم المملكة»، عمَّ أهداهم البخاري!
قبل الترويج للمملكة، ومكرماتها على اللبنانيين/ ات، شاهدنا البخاري أيضاً، على المحطة، ضمن تقرير إخباري. رافقته كاميرا المحطة في مطار بيروت، لتواكبه ضمن توديعه للحجاج، وتوزيعه وروداً بيضاء عليهم.
مقابل استماتة «الجديد»، ولهاثها خلف البخاري وأخباره، ومن ورائه تلميع صورة آل سعود، ووضعها ضمن إطار «أعمال الخير» والإنسانية، ظهر بشكل لافت، تعاطيها مع خبر الحوار الذي جرى أخيراً، بين مواطن جنوبي (من قرى قضاء بنت جبيل)، وبين النائب حسن فضل الله. الفيديو القصير الذي انتشر على المنصات الاجتماعية، ويظهر مقاطعة أحد الحاضرين لفضل الله، ونقله لشكاوى أهل بلدته، اعتبرته المحطة في خبر على موقعها الإلكتروني بمثابة «انتفاضة على حزب الله».
أول من أمس كان يوم التقارير المروّجة للبخاري و«مملكة الخير»

إذ عنونت الخبر على الشكل الآتي: «رجل من الجنوب ينتفض في وجه حزب الله»، إلى جانب المتاجرة بهذا الخبر مراراً عبر خدمة أخبارها العاجلة على الهواتف النقالة. كأنّ بهذا الحدث الذي استثمرته القناة، قدّمت أوراق اعتمادها لدى «مملكة الخير». وكان لافتاً أول من أمس، استضافة فضل الله في نشرة أخبارها المسائية للحديث عن هذا الشريط، في خطوة متأخرة بعد عملية المتاجرة التي استمرت لأكثر من 23 ساعة.
في المحصلة، تدأب «الجديد» إلى جانب قنوات أخرى على التطبيل للمملكة السعودية، التي باتت تريد كمّ الأفواه المعارضة لها في لبنان، وتلميع صورتها الدموية في الداخل اللبناني عبر بوابة السوشال ميديا، والشاشات التقليدية التي بدا واضحاً أن جلّها بات يدور في فلكها، وآخر المنضمين «الوكالة الوطنية للإعلام» (راجع «الأخبار» عدد أمس). لا بل نشاهد تورط هذه القنوات بشكل مفضوح، في المطالبة بمحاسبة الإعلام المناهض لآل سعود. خطوة خطيرة تنذر بسقوط مدوٍّ للإعلام اللبناني.