أُريد لجلسات المرافعات الختامية «للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان» التي انطلقت أمس، في لاهاي، أن تحبس أنفاس اللبنانيين، وتضعهم على فوهة بركان الفتنة الأهلية من جديد. وعلى الرغم من أجواء ونتائج هذه المرافعات التي لم تأت بجديد، في إتهاماتها وتكرار أسماء «المتورطين»، إلا أنّ هذه المرافعات لم تفعل فعلها، وغاب وقعها عن الشارع اللبناني الغارق في مشاكله المتراكمة، وتأمين معيشته اليومية بشق الأنفس. حدث الأمس، استنفرت له أغلب وسائل الإعلام اللبنانية (ما خلا محطتيّ nbn و المنار) ونقلت لساعات طويلة مرافعات «لاهاي»، حتى بدت الشاشات اللبنانية جلّها موحدة أمام حدث تاريخي عظيم، مع تواجد أطقمتها هناك للتغطية المباشرة. لكنّ الملل بدأ يتسّرب للمشاهد الذي لم يجد أمامه سوى مشهد مكرر على منصات مختلفة. هكذا، تغيّر المشهد الصباحي، ليضحي في فترة ما بعد الظهيرة، مغايراً، وتتخذ بعض القنوات قراراً بوقف النقل المباشر للمحكمة، والعودة الى برامجها المعتادة خوفاً من خسارة جمهورها. ليلاً، ومع إنطلاق نشرات الأخبار المسائية، بدا التمترس واضحاً، وحفر الخنادق الحرب الإعلامية. قناة «المستقبل» التي عنونت تغطيتها أمس، بـ «زمن العدالة»، جنّدت كل ساعات النهار والليل، لنقل وقائع الجلسات التي حضرها سعد الحريري صباحاً (لمدة ساعتين)، واعتبرت في مقدمة نشرة أخبارها، أن جلسات المرافعات تعدّ «يوماً من أيام العدالة لرفيق الحريري ورفاقه الشهداء». واستلهمت من أدبيات «عاشوراء» التي نعيش أيامها حالياً بالقول بأن أمس، كان «يوماً للمظلوم بوجه الظالم». وعلى الرغم من تغييب لأسماء المتهمين و لـ«حزب الله»، وحتى النظام السوري، الذين وجهت إليهم أصابع الإتهام، الا أن قناة mtv ظهّرت هذه الأسماء والجهات، معتبرة أن نتائج المحكمة ستزيد «الشحن الداخلي» في لبنان.
ومع تغييب واضح لحدث «لاهاي» أكان على شاشة «المنار»، التي أهملت ما يجري في العاصمة الهولندية كلياً، أو nbn، التي ركزت على أجواء «عاشوراء» وقيمها، كانت «الجديد» حاضرة كـ «مراقبة» لمسار الجلسات. حضرت كل من مريم البسام وكرمى الخياط، «للمتابعة الميدانية» عن قرب. بدا الأمر أشبه بثأر تمارسه المحطة بعد مرور عامين على تغريم الخياط 10 آلاف يورو بتهمة «تحقير المحكمة». مقدمة القناة التي خصصت بالكامل للحديث عن المحكمة الدولية، وإنتقادها، دعت في نهاية المطاف الى إقفال «بوابات لاهاي»، ما دام «أولياء الأمر لا يريدون الإنتقام»، في ظل المبالغ الضخمة التي صرفت عليها.
هكذا، انتهى المشهد أمس، بين ضفتيّ تحقيق «زمن العدالة»، من جهة، والتقليل من شأنها أو إهمال وجودها بالأصل. هكذا رست المشهدية التلفزيونية أمس، لكن، بقي الثابت أن وقع هذه المحكمة لم يعد كالسابق بعد مرور 11 عاماً على إنشائها. اللبنانيون غارقون في تحصيل سبل معيشتهم، فيما البقية تنتظر قرارات «لاهاي»، لتعيد تعويم نفسها على الساحة اللبنانية من جديد.