سمهر، سمرا، جوري، خزامى، آرام، آدم... أسماء معاصرة يترك لفظها رنّة في الأذن، وربما يكون بعضها نادر التداول في المجتمع السوري. تلك أسماء شخصيات مسلسل «كوما» (تأليف جيهان الجندي وأحمد قصّار ــ وإخراج ماهر صليبي وزهير قنوع ـ إنتاج «إيبلا الدولية») لكن هل تكفي الأسماء الجذابة لصنع دراما؟! حتماً لا، وهو ما يحصل حتى الآن في هذا المسلسل، رغم أنه لا يمكن محاكمته بالصرامة ذاتها التي نطالع فيها بقية الأعمال، بسبب الإرباك الذي واكبه منذ أن بدأ صليبي تصويره في الإمارات، ثم أوقف لأسباب مجهولة قيل بأن أهمّها رداءة المادة الفنية التي أنجزت، خاصة أنه كان مصنوعاً بنفس متطرف وبطاقة سلبية تجاه سوريا. لاحقاً، قرر منتج العمل هلال أرناؤوط أن يستفيد من المادة التي صوّرها، لكن بعد تعديلات جذرية على النص، وتوجيه مختلف للمقترح الحكائي وإكمال التصوير في دمشق. بالفعل، أسند العمل للمخرج زهير قنوع والسيناريست الشاب أحمد قصّار. الأخير بذل جهده في معالجة درامية شاملة وتطوير منطقي للحدث بالاتكاء على ما بين يديه والصيغة المطروحة. سرعان ما وصل فريق العمل إلى طريق مسدود، باعتبار أن المسلسل من بطولة مكسيم خليل الذي يلعب دورين لتوأم هما آرام وآدم: الأوّل يعيش في أبو ظبي والثاني بقي في دمشق! لكن خليل لا يمكنه العودة فعلياً إلى بلاده على خلفية موقفه السياسي المتطرف. لذا لم يكن أمام الفريق سوى التصوير في بيروت وإيهام المشاهد أنها الشام، مع إنجاز بضعة مشاهد كإنسيرتات ومشاهد أخرى لبقية الممثلين داخل العاصمة السورية؟ كل ذلك كان بمثابة تمهيد فعّال للخلل الواضح في المسلسل منذ حلقاته الأولى. حوالى 13 حلقة عرضت من المسلسل على قناة «osn يا هلا» حتى الآن، وهي غالباً تركت فرصة أمام المشاهد ليتلقط أخطاء واضحة في البناء الدرامي أهمها الإشكال في ضبط الزمن منذ الحلقة الأولى كأن نسمع أبوزينة (نجاح سفكوني) يتصل بابنته زينة (مرام علي) منذ بداية يومه ليدعوها على الغداء مع خطيبها (ينال منصور). بعد قليل تنتقل الكاميرا إلى أبو ظبي لدقائق ثم تعود إلى دمشق ومشهد عابر في صيدلية. بعدها ننتقل إلى داخل محل آرام (مكسيم خليل)، ثم عودة إلى أبو ظبي ومجدداً نعود أدراجنا إلى الشام ونطلّ على زينة وخطيبها وهما على حالهما، من دون أن نفهم أين ذهب كل ذلك الوقت وماذا فعلا فيه وكيف تحوّل الغداء إلى عشاء ومتى مرّ الزمن ومضى اليوم؟! أضف إلى ذلك أخطاء في ترتيب المشاهد في أبو ظبي، وتحديداً بين سمرا (ديمة الجندي) وخطيبها حليم (يحيى بيازي) عند نيتهما فرش بيتهما، فضلاً عن مشاهدتنا ديمة بياعة وهي سيدة مرتاحة مادياً تعيش في الإمارات ترتدي الملابس نفسها على مدار يومين متتاليين. كل ذلك عدا خلط يقع فيه المشاهد عند عرض واجهة «مول» في بيروت على أنه أحد مولات الشام، وتصوير مشاهد مكسيم خليل في مساحات ضيقة وكوادر محدودة، حتى لا تنكشف أنها أخذت في لبنان. الأهم من ذلك بأنّ العمل يفترض العمر الزمني لحكايته بين 2014/2016 حيث كان السوريون لا يزالون يبحثون بدأب عن مخرج آمن لهم، ومساحة بعيدة عن الحرب يستمرون فيها على قيد الحياة. لكنّ العمل ينأى بنفسه بعيداً عن القبض المحكم على إيقاع المدينة التي تعيش وتصحو على معارك ملتهبة، إذ نصل إلى الحلقة 13 من دون أن نلمح روح المدينة التي كانت تغط في ظلام عميق، ولا نسمع إلا صوت تفجير واحد في الحلقة 12. علماً أنه في المرحلة الزمنية التي يفترضها المسلسل، كان الصوتان البالغا الأثر في العاصمة السورية عائدين للتفجيرات والمولّدات. كلّ ذلك عدا المبالغة والسطحية المنفرة لدى تقديم قصة اختطاف خطيب زينة والأسلوب الذي تحرر فيه، والكلام الإنشائي والشعاراتي عن السيطرة المحكمة على كل مفاصل البلاد في وقت خرجت فيه نصف سوريا على الأقل عن سيطرة الدولة، إضافة إلى الطريقة التي اقتحم فيها سامر اسماعيل بيت عبد الرحمن قويدر، وصفّاه بمشهد أخذ من زاوية واحدة بقصد عدم إظهار الضحية! كل تلك المعطيات من شأنها أن تبني مسافات بين المادة والمتلقي. علماً بأن ما قدمّ من دراما وتصعيد حكائي حتى هذه اللحظة يمكن تكثيفه وتقديمه في ثلاث حلقات في أعلى تقدير. التوهان الواضح في المسلسل أمر متوقّع، ومع ذلك تنجز السوية الأدائية لغالبية ممثلي العمل وبشكل خاص صفاء سلطان عدلاً صريحاً في مزاج التلقي، إضافة إلى طرح صريح لانتشار الحبوب المخدّرة والحشيش في المجتمع الشبابي السوري والطريقة الذكية لتصنيعها على يد صيدلي ماهر من مواد شرعية لا تظهر مؤثراتها في التحليل. عموماً، يبقى الحكم النهائي مرهوناً بما تبقى عرضه من حلقات وإن كانت الفرصة ضئيلة لحدوث انقلاب جذري في سياق هذا العمل!
*«كوما»: من الأحد حتى الخميس ــ 23:00 على «osn يا هلا»