مع صعود نجم المنصات الإجتماعية وبروز دورها المؤثر، عبر استمزاج نشطائها، واستخدام القنوات التلفزيونية لها، كصورة ناقلة (ليست بالضرورة حقيقية) لتفاعل الجمهور معها، انجلت مشهدية الصراع «الوجودي» بين الإفتراضي والتقليدي، في الخوف من أن تحلّ المواقع الإجتماعية مكان اجهزة التلفزيون، وحسمت لصالح تسوية، وجدت فيها الشاشة الصغيرة ملاذاً آمناً للحفاظ على وجودها والإحتفاظ برصيدها من الجمهور، الذي اتجه جلّه الى العوالم الإفتراضية. بدأت البرامج شيئاً فشيئاً في السنوات الأخيرة، تدخل حيّز الإفتراضي اليها، تطرح سؤالاً من هنا، واستفتاء من هناك، وتطلب من المتفاعلين/ ات، أن يتشاركوا معها آراءهم حول المحتوى المقدم. طبعاً، لعبة التلفزيون التي تفرض غياب الشفافية، لا تحتمل الآراء المناهضة، أو المنتقدة، فبدأت هنا، مرحلة «فلترة» التعليقات التي تظهر على أسفل الشاشة، وللصدفة البحت، أغلبها يصب في التلميع، والنفخ بالمحتوى. علماً أن الأخير ليس على الدوام مشغولاً بمستوى مهني وأخلاقي مطلوب. لعبة «الفلترة» اجتاحتها في الفترة الأخيرة أيضاً، لعبة الإيهام على المنصات الإجتماعية، سيما على تويتر، الذي يعتبر خزاناً لهذه اللعبة، والملاذ الذي تتكىء عليه القنوات، لتبيان نسب المشاهدة والتفاعل مع برمجتها. جيوش إلكترونية من هنا، وتزوير واضح بالتالي، في «الهاشتاغات»، و«التراندينغ»، سيما في فترة المنافسة الحادة بين برنامجين يعرضان في توقيت واحد على قناتين مختلفتين.


من هنا، نستشف الإزدواجية التي تعيشها اليوم القنوات التلفزيونية، بين حاجتها الماسة الى العوالم الإفتراضية لسحب الجمهور إليها، وبين غياب تصالحها مع ذاتها، في أن ترضى بالنتائج كما هي هناك، ولا تلجأ الى التلاعب بها عبر طرق باتت مكشوفة.
في البرمجة الأخيرة، انعكس هذا الأمر بشكل واضح. البرامج التلفزيونية سيما الحوارية، الإجتماعية كانت أم السياسية، عزّزت مبدأ التفاعلية مع الجمهور، لكن، ضمن سقف مضبوط، لا يمسّ بـ «هيبتها»، وينتقص منها. على سبيل المثال، جهد برنامج «منّا وجر» على mtv، على حث الجمهور على التفاعل معه، واستخدام هاشتاغ البرنامج، وربح هدية عبارة عن جهاز تلفزيون. برنامج «طوني خليفة» أيضاً، على «الجديد»، يطرح في كل حلقة سؤالاً على ضوء المقابلة السياسية التي تجرى في ختام البرنامج، ضمن لعبة «الصوت التفضيلي»، والأحجيات، ويربح الفائز مبلغاً من المال. البرنامجان السابقان، اللذان يبثان مباشرة على الهواء، يقابلهما، برنامج «أنا هيك» (إشراف على الإعداد: طوني سمعان - إخراج: وليد ناصيف) الذي يقدمه نيشان ديرهاروتيونيان، والذي في الأصل يعتمد على مبدأ التفاعلية، بالأخص داخل الاستديو، عبر استجلاب 25 شخصاً من مشارب مختلفة، يقومون بالتفاعل مباشرة مع أسئلة تخص الضيف/ الحالة.



هنا، تغيب الشفافية عن البرنامج، لأنه مسجل، وهذه ثغرة واضحة، فيطرح سؤال على الدوام: لماذا يلجأ نيشان في كل حلقة، الى التخمين، بأن الجمهور على المنصات الإفتراضية قال كذا، وأعطى رأيه سلباً بالضيف، من دون أن يعتمد فعلاً، على الخروج ببث مباشر على الهواء، ويقرأ التعليقات بشكل حيّ ويلمس بالفعل نبض الناس وآراءهم حيال ما يطرح من مضامين. ثغرة «أنا هيك»، التي تعود الطبع، الى رغبة القيمين على البرنامج، بضبط السقف وردود الأفعال، تأخذنا الى حيّز «صار الوقت» (إخراج جان عون)، الذي دشّن الاسبوع الماضي، على شاشة mtv. البرنامج الذي أطل به مارسيل غانم، حرص أن يحضر داخل الأستديو في كل حلقة جمهور واسع أغلبه من الأعمار المتوسطة، المنتمي الى أحزاب وتيارات مختلفة (من 150 الى 200 شخص)، ويدلي برأيه في بداية الحلقة، ويخوض مناظرة في نهايتها (6 اشخاص). العينة المتواجدة في الأستديو، الى جانب الجهد اللافت للبرنامج إفتراضياً، لا تعدو كونها عينة «مضبوطة» بمعنى أنها ليست طليقة وحرة مساحتها. صحيح هي المرة الأولى التي يجلس فيها سياسي متوسطاً هذا الكمّ من الجمهور في الاستديو، لكن سقف هذا التفاعل يبقى مضبوطاً، ويؤكد هذا الأمر، أنهم جميعاً خضعوا لتدريبات، في المحاورة والنقاش على يد منظمة أميركية (المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية» -أسسته الوزيرة السابقة مادلين أولبرايت- مقرّه واشنطن)، وليس ما قاله غانم أمس، لضيفه وللحاضرين سوى دليل على ذلك. أمس، توجه وزير الخارجية جبران باسيل بالقول لمضيفه: «أنت صادق»، فرد عليه الأخير بعد برهة من التفكير : «شهادة منه»، وطلب من الجمهور الحاضر أن يصفق له «زقفولو»! بدا هنا، غانم المايسترو الذي يدير 150 شاباً وشابة، بإشارة منه، ويطلب منهم أمراً قد لا يجد كثيرون منه أن يستحق التصفيق!.