«ب 2018 شو رح يقول زياد الرحباني مع ديما صادق؟» عبارة أقفل عليها الإعلان الترويجي للحلقة الخاصة التي عرضتها lbci أول من أمس مع الفنان اللبناني، بعد التوقف عند محطتين سابقتين من مقابلتين أجراهما زياد، واحدة منهما تعود إلى برنامج «حوار العمر» (1997)، حيث أدلى بمواقف ما زالت راهنة إلى اليوم. «ماذا سيقول مع ديما صادق؟»، سؤال تفخيمي بالمذيعة اللبنانية، أكثر منه حديثاً عن مقابلة ارتأى «ملك الساحة ع بياض» إجراءها مع القناة المذكورة، ضمن سلسلة إطلالاته المطردة هذا العام. التفخيم الذي ظهر في الإعلان الترويجي، لحقه أيضاً، ما بان في الجنيريك. على غير عادة، استهلّ الجنيريك باسم المنتج المنفذ (دانيال عبيد)، ليصار في ختامه، إلى نشر عبارة أخرى أكثر استفزازاً ربما: «زياد الرحباني مع ديما صادق». هذه الروحية التي طغت ترويجاً على الحلقة، بدت كأنها فرصة اقتنصتها صادق، لتكون هي محطّ الأنظار لا ضيفها. ورغم محاولة الحلقة حياكة حيثية للمذيعة اللبنانية، والإيهام بأنّ حلقتها ستتفوق حتى على أهم حلقة أجراها الرحباني في مسيرته الفنية («حوار العمر» مع جيزيل خوري)، أتى السياق في غير مكان، بل حطم كل التوقعات بأن تكون أقله حلقةً ذات محاور مرتبة، وأهداف معروفة، لا عشوائية و«رخوة»، كما كانت عليه أول من أمس.
ضمن صورة باهتة (إضاءة وتصويراً) لم تعتد «المؤسسة اللبنانية للإرسال» تقديمها، سارت الحلقة مع الرحباني في الاستديو الخاص به في الحمراء. بدأت الحلقة بعد نصف ساعة تقريباً من التوقّف بسبب عطل تقني (عطل في ميكسر الصوت) من دون تلاوة أيّ مقدمة. اكتفت صادق بالتعريف عنه على أنه «أهم موسيقي في لبنان والعالم العربي». ربما وفّر هذا التعريف مشقّة التحضير لكتابة سطور تقدم فيها ضيفها. الحلقة التي صوّرت على أنها ستخلّد في سجل الإعلام المرئي، وتكون مرجعية لاحقاً في فن المقابلات، أو حتى في المضامين التي ستخرج منها، لم تستطع صادق الإمساك بخيوطها. كعادتها، ضاعت بين كومة الأوراق المنتشرة حول الطاولة المتواضعة، وراحت تسأل من دون أن يربط بين هذه الأسئلة أيّ سياق أو تحضير للانتقال إلى محاور أخرى. بدت صادق باردة في أغلب أوقات المقابلة، كأنّ الكيمياء معدومة بينها وبين ضيفها، رغم تحضيرها المسبق معه قبل الحلقة. حتى إنّه في الكثير من المحطات، اضطر الرحباني لتصحيح معلومات صادق الخاطئة، فيما ظلت هي، تستمع إلى الإجابات المطوّلة أحياناً مع الاكتفاء بعبارات: «آه أوكي» و«هممم».
تصفية حسابات مع المقاومة و«حزب الله» والنظام السوري


كان واضحاً تعمدّ صادق ـ التي لم تُخبر المشاهدين بما ستتخلّله الحلقة ــ بتصفية حساباتها مع المقاومة و«حزب الله»، والنظام السوري. هكذا بدون تمهيد، حاولت «الحركشة» بالمقاومة، ولامت الرحباني، على أنه ما زال يفكّر في هذه القضية كما كان في الثمانينيات. بعدها دخلت إلى حادثة «7 أيار» من دون مناسبة، وراحت تنبش مقابلات قديمة لزياد عنها. حضر النائب نواف الموسوي، هاتفياً، فاستغلت المضيفة الفرصة، لتحاول «قرصه» عبر سؤاله إن كان حلالاً الاستماع إلى أغاني الرحباني. وإذ به يفنّد مسرحية «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» (1993)، ويشيد زياد إثرها بما قاله الموسوي. وبعد التعريج على «الحريرية السياسية»، ومحاولة صادق تظهير نفسها على أنها جهدت في هذه المقابلة، انتقلت إلى «المارونية السياسية». وجزمت بأن «المسيحيين» عدا كونهم «استقلاليين ولبنانيين»، لم يستطيعوا أن يكونوا «مشرقيين». كلام علّق عليه الرحباني بمزحة عندما قال: «نحن خلقنا أرثودوكس مش بإيدنا». وبعد بنائها على ترتيلة «يا مريم البكر»، توجهت للرحباني بأنّ لديه ازدواجية بين إلحاده والتدين. أجاب بأنه معجب بالسيدة مريم كشخصية وأن الأغنية تحمل طرباً أكثر منه نفحة إيمانية دينية. اختلاط المحاور بين الدين والسياسة والمرأة (اتصال مع كارمن لبس)، في «باكدج» واحدة عكس حقيقة ضياع المذيعة في الإمساك بالحلقة، وإعطائها دفعاً. ورغم كمّ التصحيح الذي ساد سياق الحلقة من قِبل الرحباني، إلا أن صادق أصرّت على خلط الأمور من جديد، من خلال سؤالها عن الرابط بين ستالين و«ديكتاتورية بشار الأسد»: «لماذا تتقبل بشار الأسد وتدافع عنه وتغفر له؟»، طبعاً، رفض الرحباني هذه المقاربة، مستغرباً كيف صمت العالم عندما جاع مليون طفل عراقي جراء الحصار الغذائي عليه من دون أن يعترض أحد.
في المحصلة، الحلقة باتت باهتة شكلاً، ولم يعوّض ذلك اجتهاد المذيعة في إنجاح حلقتها بأدنى المعايير المهنية. «البالون» الذي تم نفخه حول الحلقة وأهميتها، بدا أنه مجرّد فقاعة دعائية، سرعان ما أظهرت فشلاً في إدارة الحوار والإمساك بزمام الحلقة. كانت ساحة لتصفية الحسابات، وأيضاً تبيان ضعف أن يقف مذيع/ة فاقد لأدواته أمام ضيف بحجم زياد الرحباني.