طرطوس | في «شارع بغداد» كان علينا الانتظار حتى تصل السيارة التي ستقلّنا إلى طرطوس، حيث تدور كاميرا المخرج زهير قنوع لتصوير مسلسل «أثر الفراشة» (كتابة محمود عبد الكريم وبطولة: سمر سامي، عبد الهادي الصبّاغ، بيار داغر، سيف الدين السبيعي، نورا رحّال، روبين عيسى، لين غرّة، ياسر البحر، خالد شباط ـ إنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني»). ثلاث ساعات من السفر الآمن كفيلة بالقول بأن سوريا بدأت تعود إلى سكّة التعافي. على باب المنتجع البحري الذي يقيم فيه فريق العمل، يستقبلنا مدير الإنتاج زياد قنوع ليخبرنا بأن اليوم الأوّل لزيارتنا مخصص للراحة والاجتماع الودي مع فريق المسلسل، بينما يطلب مخرج المسلسل أن نستغلّ الوقت لمتابعة عمليات المونتاج وأخذ فكرة مبدئية عما تم إنجازه حتى الآن. بالفعل حوّل فريق المونتاج إحدى غرف الفندق لورشة عمل يمكننا من خلالها بمساعدة المونتيرة عتاب داوود الإطلالة على بعض مشاهد المسلسل الذي يقدّم قصة حب مركزة تدور في فلكها مجموعة قصص حب إضافية تريد تدعيم مقولته التي تحتفي بالحب في زمن الحرب. الزمن الأوّل يبدأ من ثمانينات القرن الماضي، فيما تصوغ الحكاية بقية خيوطها في زمننا الحاضر. في حديثه مع «الأخبار»، يقول كاتب النص محمود عبد الكريم: «لا يمكنني أن أكتب عن الدمار الذي يحيط بنا، ربما هي رغبة ذاتية برفض كلّ ما وصلنا إليه. لذا، كان لا بد من قول كلمة حب في بحر المياه الآسنة التي نعيش فيها. هكذا، اخترت الاستعارة من رائعة ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، والانطلاق لصياغة عمل سوري قوامه الحب. يروي سيرة سيدة عاشت قصة حب عاصفة، ثم انتهت بالشتات الذي يشبه يومياتنا، وتزوجت من رجل آخر، لتعيش حالة احترام مع عائلتها. لكن قلبها لم ينسَ الحب الذي عاشته يوماً، فتجد نفسها منصاعة بكلّ جوارحها نحو الرجل الذي عشقته من دون أن تتمكن من إدارة ظهرها لزوجها وعائلتها». من ناحيته، يقول لنا المخرج زهير قنوع بأنه «سعى لتكثيف قصص حب إضافية تمتّن جوهر القصة الأساسية، وتساعد في إيصال رسالة العمل، فهو هديتي الرومانسية المتواضعة للجمهور، ودعوتي الصارخة للحب، وتحية لكل العشاق، بخاصة كل أنثى تجرعت الظلم، أو القهر، أو الإجبار، أو التحرش، أو العبودية، أو الإقصاء، أو الخوف، أو الاعتداء، أو الابتزاز، أو غيرها من الممارسات الذكورية المهينة التي لم تتوقف بحق حواء حتى اللحظة. وهو في المقابل هديتي إلى كل الذكور الصادقين المخلصين في حبهم». أما عن جوهر الحكاية، فيقول: «تراتبية تلفزيونية عن قصة امرأة عاشقة وجدت نفسها بعيدة عن حبيبها، ثم ارتبطت برجل لم تتخلّ عن احترامه، رغم لقائها مجدداً بعد سنوات طويلة بفارس أحلامها الأوّل. حول هذه القصة الرئيسة، هناك قصص تدعّم صلب الحكاية بمزيد من الحب، إضافة إلى شغلنا على عرض مسرحي يمثلّ نتاج مجموعة من الشباب سنشاهد مشهداً منه في كلّ حلقة لتمتزج شخصيات العرض بتفاصيل الحكاية». وعن الجانب التقني والتمييز بين الزمنين، يعوّل مخرج «وشاء الهوى» (كتابة يم مشهدي) على شريكه مدير الإضاءة والتصوير ناصر ركّا الذي أصرّ على أن يكون موجوداً ضمن فريقه. يقول: «اللون في الدرجة الأولى سيترك فرصة للمشاهد بالتمييز بين الزمنين. في الزمن الماضي، اعتمدنا ألواناً طبيعية مع تفاصيل ذاك الوقت، فيما اخترنا أن نذهب نحو الألوان الزاهية في الزمن الحاضر». لا يخفي المخرج الإشكالي اعتداده بأن العمل سيسجل رقماً قياسياً في أعداد الممثلين الشباب والخريجين الجدد، كما أنه اختار فريقاً من الصبايا لمهام حساسة ومنح فرصاً للتقنيين وفريق الإخراج والمونتاج في رهان يعتبره كبيراً.
في اليوم التالي، كان علينا الاستيقاظ باكراً ومراقبة جلبة المكان والتحضيرات المتسارعة ليوم تصوير يبدو أنه صعب لأنه مخصص لإنجاز مشاهد فاصلة تخص الحرب الأهلية اللبنانية وكيف هربت بطلة العمل أيّام صباها تحت القصف في غفلة من الاشتباكات الصاخبة. اختار المخرج قرية «الزارة» المدمّرة في ريف حمص، لينجز مشاهده فيها. المكان الخاوي من كلّ شيء عدا الدمار، يوحي بالكآبة، ويترك فرصة للإمعان في نتائج الحروب. يعطي ناصر ركّا تعليماته لمساعديه بعد اختياره الكوادر مع المخرج، فيما يهرع فريق المتفجرات والخدع لتجهيز ما يمكنه إضفاء بعد واقعي على المشاهد، ويهتم فريق الإنتاج بإشعال عجلات سوداء. ما هي إلا دقائق حتى نشعر بأننا بتنا في معركة حقيقية، لا يقبل المخرج بأن ينهي يومه من دون أن يتأكّد بأن كل لقطاته أخذت بصيغة مقنعة بالنسبة للمشاهد، خاصة مشهد إيقاف حافلة قديمة وإنزال بعض ركّابها وإعدامهم على خلفية طائفية بحت! يفصح قنوع ونحن نرافقه على المونيتور بالقول: «يمكن أن تشعروا بغرابة هذا اليوم، وجفائه عن أجواء العمل. كان يمكن لنا حذف هذه المشاهد والاستغناء عنها كونها خارج السياق الرومانسي للرواية، لكنني أردت أن أكون أميناً على المنطق الحكائي، والشغل على تفاصيل الورق، وترك خلفيات ومدلولات هذه المرحلة على الشخصيات، وبالتالي انعكاسها على المشاهد».
الممثلة روبين عيسى تتواجد في موقع التصوير رغم أنّ ليس لها مشاهد فيه، لكنها لبّت رغبة المخرج وزملائها بالحضور. نستغل وجودها لنستمع لرؤيتها عن الشخصية التي تلعبها. تقول: «من النادر أن يقرر شخص يعرف أنه مصاب بمرض خطير رفض تلقي العلاج، ليس تمهيداً للانتحار، إنما رغبة في التماهي مع الطبيعة والعيش وفق إرادة التمسّك بالحياة. وفق هذا المنطق أغرتني شخصيّة راقصة الباليه التي ترفض العلاج الكيميائي بعد معرفتها بإصابتها بالسرطان، فتقرر أن تعيش مع زوجها في رحلة تماه مع الطبيعة، لكنّها لا تعرف أنها ستغادر سريعاً وتنتهي حياتها خلال 15 يوماً. في المشهد الختامي، نلمح اقتراحاً إخراجياً يترك مساحة للتأويل عند المشاهد ربما لا يكون مشهداً واقعياً بحتاً، لكنه يمثل حالة درامية مؤثرة».
من جانبها، تلعب الممثلة الشابة لين غرّة بطولة المسلسل ضمن المرحلة الزمنية الأولى. تقول عن هذه الشخصية: «ألعب دور مريم وهي فتاة مراهقة فقدت أمها لتعيش مع والدها وهو رجل قاس، يعمل في التهريب، لكنّه وهب حياته لابنته بعد وفاة زوجته. تتعرف هذه الصبية إلى شاب رومانسي وشاعري، فتقع في غرامه، لكن الظروف تفرض عليها الزواج برجل آخر، لتنقلب من قمة الطاقة الإيجابية إلى ذروة اليأس والاستسلام وذلك بعد أن يمر زمن وتسند الشخصية حينها للنجمة سمر سامي. كأن في ذلك إيحاء لضرورة البحث في تاريخ أي شخص قبل الحكم عليه». وتضيف عن خصوصية لعبها شخصية ستكملها ممثلة بخصوصية سامي: «من المؤكد بأن الأمر يترك قلقاً كبيراً، لكنّه حلم أي ممثلة جديدة، خاصة أنني من المعجبين بأداء سمر سامي. ما حفّزني بشكل إيجابي أنه أتيح لي إجراء جلسات عمل مع هذه النجمة لأجد نفسي متقاطعة معها في رؤية الشخصية، والمهم أن تكون النتيجة جيدة، لكن الرضى التام من قِبل الممثل تجاه شغله مسألة صعبة». وعن خصوصية تجربتها مع المخرج زهير قنوع، تجيب لين: «العمل مع هذا الشخص حالة خاصة ومجنونة، لأنه يواكب كل جديد بطريقة هستيرية، وطاقته عالية في موقع التصوير، ولديه من الحماس ما يكفي بلداً كاملاً. لذا يجبر الممثل أن يكون لطيفاً ومحباً وطاقته إيجابية. ومن الملفت أنه يسمع من الممثل مهما تواضعت خبرته، ويقبل اقتراحاته واجتهاداته لو كانت بمحلّها».
نهاية هذا اليوم الطويل وسمته العامة البرد القارس، هي بمثابة نهاية المرحلة الثانية من التصوير، وجميع المشاهد المفترض تصويرها خارج دمشق. سيأخذ بعدها الفريق استراحة قصيرة ليوم واحد ثم يواصل الشغل، على أن يكون المسلسل جاهزاً في رمضان. يقترح الفريق أن يجاهد التعب بسهرة على الشاطئ سيكون قاسمها المشترك تكرار طرائف عبد الهادي الصبّاغ والحديث عن إضفائه أجواء كوميدية في العمل.
المسلسل تحية لكل العشاق، بخاصة كل أنثى تجرعت ظلم المجتمع الذكوري

يؤدي الممثل المخضرم شخصية طبيب مسالم متفهّم لعائلته يحرص على احترام زوجته ويحاول ألا يتدخل في ماضيها أو يجرح مشاعرها عندما تلتقي برجل يعرف أنها كانت تحبّه. يخبرنا عن دوره: «صوّرت حوالى 100 مشهد حتى الآن، وسأكمل تصوير 40 مشهداً أيضاً. العمل هنا يأخذ طابعاً حبياً، كوننا مجموعة أصدقاء ننجز شغلنا بلا توتر. شخصيتي غريبة، لكنّها تنسجم مع التوجه الرومانسي للقصة، لأنها شخصية طبيب يحرص على حماية عائلته من دون أن يترك فرصة لدوامة الشك باقتحام حياته ولو كان الأمر متعلقاً برجل عاش قصة حب هاربة من الروايات مع زوجته أيّام صباها. ربما من دماثة هذا الرجل وحسن أخلاقه أنه سيرحل في وقت يراه مناسباً حتى يترك فرصة لزوجته كي تعيش ما حرمتها الحياة منه».
الأمسية البحرية تأخذ منحى الفرح عندما تنضم إليها النجمة سمر سامي. نسألها إن كانت قد تركت التدخين، فترّد «منذ زمن طويل». لكن ما أن تنهي عشاءها حتى تخرج علبة سجائرها الوطنية من ماركة «الحمراء القصيرة»، وتترك لرنة ضحكتها أن تسرح في أرجاء المكان. الممثلة التي لم تجر حوارات صحافية في حياتها، لا تتخلى عن خفة ظلّها المعتادة وهي تجيب عن سؤالنا عن سبب قبولها العمل بهذا الدور بالقول: «مضطرة! لم يكن أمامي حل بديل». نجرّب استفزازها، ألم يعرض عليك عمل آخر هذا الموسم؟ تنهي ابتسامتها بحزم وتبدأ بالعد: «اعتذرت عن عدم العمل في «باب الحارة» و«حرملك» ومجموعة أعمال أخرى». أستاذة الأداء التمثيلي المخصص لعدل المزاج، تستحق أن تترك على راحتها من دون الحديث عن شخصية لا طائل من الشرح عنها من صاحبتها طالما سيشاهدها الجمهور ويحكم عليها النقّاد!