لا شك في أن أوجاع اللبنانيين/ ات، باتت لا تحتمل. هؤلاء الرازحون تحت خطّ الفقر، يناضلون يومياً في سبيل لقمة عيشهم، وتحصيل إستشفائهم، في ظل واقع إقتصادي مستفحل، لم يعودوا قادرين على تحمله. تظاهرة «نازلين ع الشارع»، التي أطلقت على مواقع التواصل الإجتماعي، وجمعت اليوم حشداً من المواطنين المقهورين، في ساحتيّ «رياض الصلح»، و«الشهداء»، (وسط بيروت)، تحت شعار «الرفض للواقع السياسي والأوضاع المعيشية»، غاب عنها الإعلام بشكل واضح، فيما «فلتر»، بعضهم النقل المباشر. أما البعض الآخر، فقد فضل كالعادة، فتح الهواء للمتظاهرين، لساعات طويلة. عند بدء التحرك الشعبي، عند الساعة الثانية عشرة، كانت في الميدان قناتا «الجديد»، و lbci فقط، مع إغفال تام للبقية عن الحدث. عادت «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، وقطعت التغطية الحية، لصالح برامج ميلادية، وعادت إلى التظاهرة لاحقاً، في رسائل متفرقة. تغطية سادتها العشوائية والشعبوية. إذ انبرت هذه القناتان، سيما «الجديد» (راشيل كرم) في إستصراح المتظاهرين، وحتى التناقش معهم، ومحاكمتهم أحياناً، من خلال الترداد الدائم، لأي مستصرح، بأنه يتحمل عبء ما وصل إليه، كونه لم يشارك في الإنتخابات النيابية، ويمارس فعل المحاسبة. صحيح كنا، أمام إستصراحات مؤلمة ومعبرة عن واقع مرير وقاس، يخص الحالة المعيشية، لكن التلفزيون، هنا، لم يستثمر هذا الكلام، ولم يقم بدوره الفعلي، بإلتقاط النقاط الجوهرية للتحرك والبناء عليه. الإستصراحات العشوائية التي ملأت الشاشات، لم تستخدم سوى في «التجييش»، و«تعبئة الهواء». على lbci، لم يكن الحال، أفضل بكثير. بدا مراسل المحطة، ادمون ساسين كأنّه «يتوسل» أفعال العنف، والشغب، واعداً المشاهدين بأن هذا الأمر سيحصل في نهاية التظاهرة. كذلك لم تخل التغطيات، من اللعب على وتر الخلاف الذي وقع بين جمهور «حزب الله»، وبين الداعين الى التظاهرة. إذ نشرت البارحة، صفحة «طلعت ريحتكم»، صورة كاريكاتورية، تجمع فيها عدداً من السياسيين ومن ضمنهم أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، واتهمتهم بالفساد. صورة أثارت هذا الجمهور، الذي دعا الى مقاطعة التظاهرة، وعبّر عن ذلك عبر هاشتاغ متداول: «#ما_نازلين_طالعة_ريحتكم». خلاف أفادت منه بعض القنوات، وراحت تحقنه أكثر، إن من خلال الأسئلة المطروحة، أو من خلال استجلاب استصراحات من مناطق معينة تخص هذا الجمهور. وفيما قناتا «الجديد»، و lbci، تتنافسان على تظاهرة «السترات الصفر» اللبنانية، كانت أجواء الميلاد تحط بقوة على mtv، التي قاطعت بشكل واضح التحرك الشعبي، وحاولت تقزيم حجم المشاركين، إذ عنونت «تنظيم تحرك مدني وعدد من الأشخاص يحتجون». مراسل المحطة الآن درغام، بدا ضعيفاً في رسالته، إذ وقف خلف قوى الأمنية، ولم يستصرح حتى تحت الهواء أي متظاهر كي يكون صورة عم سيسرده في مداخلته المباشرة. بل اكتفى بالقول، بأنه تحدث مع «ناشط كبير لديه عدد كبير من الـ followers (المتابعين)»، وعن سوء تنسيق بين أعضاء التحرك ونصحهم بأن «يتعرفوا على بعضهم»، و يتخذون القرار. إذاً، تغطية تلفزيونية معهودة، شابتها الفوضى، فنقل وجع الناس من الإستشفاء الى «المخدرات»، و«العفو العام»، إلى المطلوبين في البقاع، لا يتم بهذه العشوائية، عبر شحذ المزيد من التشنج، كي يعلو «التشويق» على الشاشة، فيما تظل علامات الإستفهام سيدة الموقف، لسبب تجاهل بقية القنوات نقل ما يحدث في قلب العاصمة!