«عواصف» الإعلام: لماذا كل هذا «الترهيب»؟

  • 0
  • ض
  • ض
 «عواصف» الإعلام: لماذا كل هذا «الترهيب»؟
من عكار بعدسة خالد طالب

يُورِد أحد المواقع الإلكترونية أنَّ عاصفة قادمة على لبنان «هي الأعنف منذ عشرين سنة». تقرأ الخبر ذاته في مكان آخر على نحو مغاير: «انتبهوا، العاصفة الأعنف في تاريخ لبنان الحديث». مَن يزيد أكثر؟ تُعَنْون صحيفة مرموقة في صفحتها الأولى أنّ «العاصفة ميريام تحاصر لبنان لـ24 ساعة» (تُحاصِر؟!). وهكذا دواليك. يتبارى الإعلام في التحذير من «العاصفة» الأقوى القادمة. التحذير يتحوّل إلى ما يشبه عملية «ترهيب» للمواطنين. «أيّها اللبنانيون استعدّوا جيداً، مفاجآت في طقس الأسبوع المقبل». ما هو نوع المفاجآت مثلاً؟ تشعر كأنّ البلاد مقبلة على عدوان خارجي يتطلّب إعلان النّفير العام. ما الذي يستدعي كلّ هذا الصراخ؟ أين تكمن المشكلة فعلاً؟ لو أنّ عندنا «دولة» لا تتنصَّل من مسؤولياتها كما فعل وزير الداخلية الأسبوع الماضي، ولو أنّ عند اللبنانيين بنى تحتية متينة لما تكشّفت الأضرار بهذا الحجم الذي شهدناه وسنشاهده على الأرجح في الأسابيع المقبلة. هذا حديث آخر. ولكن ما الذي يفعله الإعلام؟ مَن يستطيع ضبط «الفلتان» الحاصل في المواقع الإلكترونية تحديداً؟ على الأرجح لا أحد. «عم بيقولوا جاية عاصفة أقوى الأسبوع الجاي». تكاد تكون هذه الجملة المتداولة على ألسنة الناس مقبولة عند هذا الحد. لا ذنب لهم في ذلك أصلاً. في بلد مناخه متوسّطي كلبنان يمتاز بتنوّع فصوله ومنها فصل الشتاء، يصبح من المستغرَب حدوث هذه «البلبلة» مع كل «منخفض جوي» في ما يُفترض أنه أمر طبيعي. يمكن لـ «مصلحة الأرصاد الجوية» في مطار بيروت مثلاً أن تكون هي المرجع المعتمد بعيداً من مزايدات «دكاكين» التنبؤات المناخية. فالقضية هنا ليست ليلى عبد اللطيف ولا غيرها. أدخل الإعلام كلّ شيء في لعبة «الرايتينغ» بما في ذلك أحوال الطقس. صارت أسماء «العواصف» مغرية و«ربّيحة» وتناسب لغة مواقع التواصل الإجتماعي، فظهرت «نورما» و«ميريام» وقبلهما العشرات والبقيّة تأتي. يبدو ذلك تفصيلاً صغيراً في الحديث عن المهمّة الأساسية لوسائل الإعلام. ما الفائدة مثلاً في أن تُرسل القنوات التلفزيونية مندوباتها ومندوبيها إلى «مواقع ثلجية» للقول فقط إنّ الطريق مغلقة بالثلوج؟ قبل أيام، «عَرْبَشَت» إحدى المراسلات المعروفة بـ «ديناميّتها» على إحدى جرّافات الثلج في منطقة «ضهر البيدر»، ولعلّ ذلك كان أفضل ما فعلته في رسالتها المباشرة تلك. تمنّى سائق الجرّافة على وسائل الإعلام توخّي الدقّة والحذر في نقل المعلومات للمشاهد والالتزام فقط ببيانات القوى الأمنية والجهات المختصّة. ما لم يقله سائق الجرّافة هو أنّ الإعلام في حالات كهذه ليس ترَفاً. الإعلام هو مسؤولية وهذا ما يستدعي العودة إلى أصول المهنة، أي أخذ المعلومة من مصدرها الموثوق. تقتضي المسؤولية المهنيّة أيضاً متابعة المشاكل والأضرار الناجمة عن «العاصفة». وللإنصاف، ثمّة جهد كبير وحقيقي يبذله عدد من المراسلين والمراسلات في أكثر من قناة لتقديم مادة مفيدة و«رشيقة» بعيداً من الإستعراض غير المُجدي. يروي مراسل تلفزيوني «عتيق» كيف تمكّن، وفريق عمله، خلال إحدى تغطياته المباشرة في قرية جبليّة نائية قبل سنوات من التواصل مع عائلة «معزولة» وتأمين الخبز والمازوت لها. يقول الرجل إنّ ذلك لم يكن ليحصل لولا مساعدة الدفاع المدني وجرّافة تابعة لوزارة الأشغال، في ما يعتبره مثالأً على تكامل الأدوار بين الإعلام والأجهزة المعنية خلال فترات المنخفضات الجوية. «الشتويّة بيَّضتها» هذا العام. المطلوب مسؤولية مهنيّة أكثر.. و«صراخ» أقل!

0 تعليق

التعليقات