دمشق | للوصول إلى موقع تصوير مسلسل «ورد أسود» (تأليف جورج عربجي وإخراج سمير حسين ــــ بطولة: جابر جوخدار، وائل شرف، سلّوم حداد، فادي صبيح، صباح الجزائري، ترف التقي، لمى بدّور وآخرون) نحتاج إلى قطع تذكرة سفر إلى «إسطنبول الصغرى». ومن لا يعرف أين تقع، عليه أن يزور «حي ساروجة» الدمشقي العريق، الذي أسسه المماليك وسمي باسم أحد قادتهم، ثم دمّره تيمورلنك وأحرقه بعدما جعله منطلقاً لقصف قلعة المدينة بالمنجنيق. وفي العهد العثماني، أجليت العائلات المملوكية عنه وسكنته طبقة أرستقراطية من الأتراك بسبب وجوده خارج السور الشامي، وسوقه الكبير، ومنازله الواسعة، ومدارسه الأنيقة، لذا سمي الحي بهذا الاسم. سريعاً سندخل بيتاً دمشقياً قديماً هجرته عائلته وبقي في عهدة امرأة تشرف على سقاية وروده وتنظيفه. شجرتا البرتقال والليمون المعمّرتان تختصران تاريخ مدينة متخمة بالحكايات، لكنهما فعلياً تستحضران الشاعر الراحل نزار قباني الذي ولد في بيت مماثل وتغنى طويلاً بالمفردات والطقوس والأجواء الدمشقية. ستقطع الجلبة التي يثيرها ناصر ركا سلسلة التفكير بتاريخ المكان وعراقته. كما العادة، يحدث ركا ضجيجاً مصحوباً بحماسة لا تنضب كلما نوى التحضير لمشهد جديد. من ينظر في الشيب الذي غزا شعر مدير الإضاءة والتصوير الشهير ولحيته، سيشعر كأنه كان موجوداً في كلّ مواقع تصوير المسلسلات السورية. بجانب المونيتور، ثبّت منفذو الإنتاج مدفأة كهربائية علّها تخفف من حدة البرد بلا فائدة. المشهد جعلنا نستذكر مع مخرج العمل كيف تستقدم طائرة خاصة النبيذ والسباغيتي لكوبولا عند تصويره فيلماً. «هنا نبتلع وجبتنا واقفين في الشوارع كالمشرّدين. وهذا منطقي، فلكل مقام مقال» يقول سمير حسين لـ«الأخبار» ويضحك، قبل أن يبدأ شرحه الجدي عن العمل: «المسلسل قصة اجتماعية، تنتمي إلى الدراما النفسية السيكولوجية المتخمة بالتشويق والتماس المباشر مع الناس. هناك ثلاث شخصيات مأزومة نفسياً: إحداها مصابة بانفصام، وأخرى تعاني عقدة أوديب، بينما تعيش شخصية ثالثة تبعات تمييز أسري تعرّضت له في صغرها. هذا بشكل عام، أما لو قررنا التركيز أكثر على الجوهر الحكائي، فيمكننا القول بأننا نطرح قصة صراعات شخصيات سورية وأخرى جزائرية. بعضها يتمحور حول الحب والانتقام بطريقة مبررة. فمنذ حملات التعريب التي قامت بها الجزائر، كان آلاف المدرسين السوريين هناك. وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية الجزائرية، وجد ما يقارب 100 ألف نسمة سورية في الجزائر بعد الحرب في بلادهم، فضلاً عن وجود عائلات سورية من أصول جزائرية نسبة الى الأمير عبد القادر الجزائري». ويضيف بأن «التقارب السياسي بين البلدين وعدم قطع العلاقات، رغم كلّ ما حصل، والتزام الجزائر بقضايا قومية تعتبر جوهرية بالنسبة الى السوريين، إضافة إلى اللهجة السورية التي انتشرت في العالم العربي نتيجة مسلسلات مهمة وأعمال الدوبلاج وقرب اللهجة من الجمهور ورغبة بعض القائمين على الدراما الجزائرية في صناعة جيل مطلع من الفنيين على طريقة عمل التجارب المكرسة... كل هذه العناصر دفعت الشركة الجزائرية المنتجة للعمل إلى الانخراط في هذه التجربة بطريقة منطقية ومبررة درامياً نتيجة وجود جاليتين في البلدين وهي بعيدة تماماً عن الصيغة الهجينة والمقحمة التي تظهر في الدراما العربية المشتركة».
وعن فكرة التوأم ولعب شخصيتين من قبل ممثل واحد، وهو غالباً ما يظهر ساذجاً في الدراما العربية، إذ يعتمد على تغييرات شكلية طفيفة من دون جمع الشخصيتين بطريقة مقنعة، يراهن سمير حسين على الطريقة التقنية في تنفيذه والمختلف الذي سيقدّمه على هذا الصعيد. يقول: «نحنا هنا أمام «ورد ورواد» توأم على طرفي نقيض من ناحية الشخصية والروح، بينما يتطابقان في الشكل. الأوّل هو الطيب، والآخر يمثّل حالة الشرّ. مع توالي الحكاية، سيحصد ورد تعاطف المشاهد. لكن مع التصعيد المناسب، سيكتشف المشاهد بأن هناك مساحة سيئة كبيرة يقف وراءها هذا الشخص الطيّب. ومن هنا ستكون المفاجأة. ونتيجة فعل ما، سيغادر أحدهما إلى الجزائر يتبعه الآخر بدافع الانتقام. إذاً الشكل بين الأخوين متطابق، لذا فالرهان سيكون على السوية الأدائية للممثل عبر تنوّع الشخصيتين بحسب النص المكتوب. أما على الجانب التقني، فهذا تحدّ ورهان إضافي جعلني أقبل على التجربة بحماسة، لأن تنفيذ المشاهد التي يجتمع بها التوأم بحاجة الى دراسة وافية ودقّة كبيرة وجهد عميق كي تخرج الصورة بناء على خدع بصرية وغرافيك كأننا أمام توأم حقيقي».
من جانبه، يزيد مؤلف العمل جورج عربي الشرح عن حكايته، فيقول: «هو عمل اجتماعي إنساني يعتمد على التشويق المليء بالحب والانتقام من خلال مزيج بين الشخصيات السورية والشخصيات الجزائرية المثيرة للجدل. ستأخذنا إلى عالم من المتناقضات المشوّقة تصبّ جميعها في مصلحة مقولته بأن لا خير مطلقاً ولا شر مطلقاً. العمل يحمل من اسمه لأنّه تصعيد جوهري لسيرة ورد أسود قاتم من الداخل مهما زهت ألوانه، لكنّه يبقى فعلياً ورداً، مهما اشتد سواده». سبق لكاتب النص أن جرّب طرائق جديدة للسرد في أعمال سابقة، فهل هناك مساحة للتجريب هنا؟ يجيب: «اعتمدت تقنية جديدة كلياً في كتابة السيناريو عمّا سبقها. ذهبنا باتجاه التشويق الذي يحترم عقل المشاهد وبعيداً عن التلقيم».
من جانبه، يقول لنا بطل المسلسل النجم جابر جوخدار إنه «مقبل على مغامرة، لأنه درجت العادة بأن تقع معظم الأعمال في خطأ واحد هو تكرار طريقة التفكير والحوار عند كلّ الشخصيات ارتباطاً بمنطق كاتب النص، فكيف إذا كان مطلوباً منك أن تصنع اختلافاً جذرياً وأداء متبايناً بين شخصيتين هما توأم حقيقي في عمل واحد؟! عموماً، يمتاز الورق بين أيدينا بجاذبية مضافة لأننا أمام شخصيات تذهب إلى الحد الأقصى في سلوكها وتعتمد على الصدمة في النهاية». وإن كان يعتبر بأنّه أمام نقلة نوعية في مشواره المهني، يجيب: «لا أؤمن بالنقلات النوعية، بقدر ما أعتقد أن الموضوع يمتثل لضربة الحظ! الدراما التلفزيونية ونجاحها يشبه لعبة البوكر، لكن عليك أن تكون جاهزاً ومحترفاً، والجمهور يفاجئك باستمرار، إذ يتبع أعمالاً لم يكن متوقعاً لها النجاح ويعزف عن أعمال أخرى صرف عليها الكثير من الجهد والتعب والقيمة والمعرفة». أما عن جوهر هاتين الشخصيتين، فيقول: «لا يوجد خير مطلق ولا شرّ مطلق لذلك. تلك مقولة العمل التي يجسدها شقيقان متطابقان في الشكل ومختلفان كلياً في الروح. من خلال الفلاش باك، نكتشف عناية الأب بتربية ورد بدلال فائق، فبدا كأنه الصورة المثالية عن الشاب الملتزم، وظلم رواد، ما جعله يعتمد على نفسه ويظهر كأنّه ابن شارع عارك الحياة بطريقة لا تخلو من الانحراف في بعض المواقع. التمييز في التربية خلق بين الشقيقين مشكلة حقيقية ستظهر تباعاً في الأحداث». أما على صعيد الأداء، فيعلّق جوخدار: «ابتعدت عن الاستسهال بأن يكون أحدهما يحكي بطريقة مختلفة عن الآخر أو شكله الخارجي ذا فارقة واضحة. حاولت صنع اختلاف في الروح من خلال أداء جوّاني يركّز على المفردات الداخلية لكل شخصية وتركيبتها النفسية وينعكس بالتالي على سلوكها وصوتها وتصرفاتها». أما بالنسبة إلى الحالة البحثية التي اتبعها الممثل قبل لعب الشخصيتين، فيقول بأنّه اعتمد على مشاهدات بصرية كثيفة لمجموعة من الممثلين العالميين الذين أدّوا شخصيتي توأم، في محاولة منه لجمع داتا بصرية والاستئناس بالتجارب المكرسة في ما يخص فنّ الأداء!
بدورها، تقول الممثلة الشابة لمى بدّور إنها تؤدي شخصية «تدخل في حياة الشخصيات الأساسية للحكاية عن طريق المصادفة، كونها فتاة اضطرت إلى العمل في الدعارة كي تتمكّن من تأمين مستلزماتها وحاجيّات والدتها المريضة. وتصل معها الأمور إلى سرقة مبلغ مالي كبير من رواد وتضطر الى أن تعيد المال تحت ضغط «جاد» (وائل شرف) وهو قريب رواد، لتفاجأ به ذات يوم رافضاً بأن يكون مثل بقية الرجال العابرين في حياتها. وهو ما يجعلها تتعلق به وتقع في حبّه. ثم تفقد والدتها وهو في ضيافتها، لكنّه يدير ظهره لها في وقت تكون فيه بأمس الحاجة لشخص حقيقي». غالباً ما تلجأ بعض الممثلات عند أداء هذه الشخصيات إلى الحلول السهلة والمتاحة التي صارت بمثابة «كليشيه» بأن تبالغ في الماكياج وترفع صوت الضحك وطبقة الصوت، فهل تجرّب لمى بدّور الشغل بمنطق بحث مخالف؟ تجيبنا: «فعلياً وجدت أن هذه الفتاة ليست إنساناً سيئاً، وبالتالي كان لا بد من صياغة أداء يجسّد روحها وحالتها النفسية الحقيقية بعيداً عن الطريقة السطحية التي تحدّثت عنها. لكن لا بد من شكل خارجي ستظهر عليه، لكن بصيغة وطريقة سلوك مختلفة وفق محاولاتي الدائمة لتمايزها عما قدّم سابقاً من هذا النوع من دون أدنى تفكير بالرقابة المجتمعية التي تفرضها بعض العقول المتصلبة».
أما النجم فادي صبيح، فيختصر حديثه معنا بالقول إن «شخصيته عبارة عن أستاذ سوري يعيش في الجزائر، تترك له الظروف فرصة التشابك مع باقي الشخصيات والتدخل المباشر في الحدث من خلال جزئية معينة. لكن التصريح العلني عنها ربما يحرق عنصر التشويق الذي يعتمد عليه المسلسل بشكل أساسي». أما عن تجربة الدراما السورية الجزائرية المشتركة، فيضيف: «لعلّها خطوة مبشّرة وجديدة فعلياً تترك الفرصة أمام المشاهد لاكتشاف مجتمعات جديدة وطريقة حياة مختلفة، وفق تعاون مثمر علّه يتكرر دائماً بالاتكاء على فرضيات درامية مبررة نركز فيها على جسور التواصل بين البلدين والشعبين والعلامات الفارقة في تاريخهما أو حاضرهما».