في آب (أغسطس) الماضي، بلغ تعاطي «الجديد» حدّاً غير مسبوق، في الترويج لنشاطات ومبادرات السفارة السعودية في لبنان. بدا الأمر فاقعاً في تلك المرحلة، عبر سلسلة تقارير، ونقل حيّ لأحداث لا تسعى سوى الى تلميع صورة المملكة «الداعمة لمرضى السرطان»، فيما دماء أطفال مجزرة حافلة «صعدة» لم تجف بعد. وفي عز المجازر بحق الشعب اليمني، تبارزت محطات لبنانية بينها «الجديد» على نقل مهازل جلسات «فنجان القهوة» مع مجموعة من الكومبارس السياسيين والاجتماعيين والاعلاميين، لنقل «الوجه الإنساني» للمملكة. هذه الجلسات الكرنفالية، أطلقها السفير السعودي وليد البخاري في منتصف العام الماضي، داعياً ناشطين، و«مؤثرين»، على مواقع التواصل الإجتماعي، الى «تحصين الفكر العربي من الأفكار الضالة والمتطرفة». على أساس أن مملكة القهر والانحطاط التي يجلد فيها المدونون، ويسجن الشعراء والناشطات والناشطون، على أساس أن السعودية تلك، هي معقل التنوير والاعتدال والانفتاح… ثم ارتعدت فرائص العالم أمام الطريقة الهمجيّة التي اغتيل فيها جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطمبول، لكن بعض النخب اللبنانية واصلت الانحناء للقاتل باسم الاعتدال. علماً أن الاعلامي ضحية الهمجية الرسمية للسعودية، لم يكن معارضاً خطيراًو اعلامي وناشط بل هو مقرب من بعض العائلة الحاكمة، وكان حتى الامس القريب في خدمة السياسات الرسميّة للمملكة وطغمتها الحاكمة. ولا نعرف ان كانت استتابة النائبة الطبش لدخولها كنيسة من علامات الانفتاح والاعتدال التي يبشر بها البخاري ومهرجوه، لكن المؤكد أن المهزلة تواصلت، والاعلام المرئي اللبناني شاهد زور عليها. وكانت المحطة الأخيرة الاربعاء 23 يناير 2018، في أحد منتجعات «كفرذبيان» المتوّجة بالثلوج. الجلسة «الاعتدالية» هذه المرة كان شعارها: «أثير الارز». وجمع البخاري شخصيات وديبلوماسيين وإذاعيين/ ات، ليتلو عليهم خطاب «الإعتدال»، و«العيش المشترك» وينقل الأفكار التنويرية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي برعايته أضحت «الحياة شعار حياة ومن شروطها اعتناق الإعتدال والوسطية»!
«فنجان قهوة» هو الرابع، على التوالي، لأهل الإعلام المسموع، حضرته فئة محددة من الافراد والجهات المرتبطة مادياً وايديولوجياً بالنهج السعودي، وبعض المرتزقة والمتسولين على أبواب السعودية. وكالعادة… «الجديد» كانت هناك. وأولت هذا الكرنفال حيّزاً واسعاً من الاهتمام في نشرتها الإخبارية، كأنّها اجتماع قمة، من دون أي مسافة نقدية. أليس من حق مشاهدي هذه المحطة الذين يربطهم بها عهد سياسي وأخلاقي، أن يسألوا: ماذا تأتي «الجديد» لتفعل هنا كل مرّة؟ هل غيّرت نهجها الوطني المؤيد لخط المقاومة، وانتقلت الى معسكر الرجعيات العربية التي لا تحمل سوى التآمر مع الاحتلال، والظلامية والتخلف لمجتمعاتنا؟ في هذه الحالة من المفيد أن يعرف المشاهدون بهذا التحول، ويقرروا في ضوئه علاقتهم بالمحطة…
التقرير الذي بثته «الجديد» باحتفالية فاقعة، يستحق أن يدرس ثانية بثانية. تقرير قاربت مدته الثلاث دقائق، ينقل حرفياً كلام البخاري، ويمجدّ بمبادرة المملكة، مع إقحام لعناصر بصرية (صور جوية للمكان)، وسمعية (تجلت ببث أغان لفيروز بداية الشريط). تقرير ينضم الى غيره من التقارير «التنويرية» التي يحفل بها الاعلام اللبناني المدافع عن «السيادة» و«الانفتاح»، وآخرها النقل الحيّ لدعوة البخاري أيضاً لحشد من السياسيين، والفنانين، والرياضيين، الى «نادي اليخوت» لمتابعة المباراة التي جرت بين منتخبيّ لبنان والسعودية. وقتها خرجت «الجديد» بخبر أول على نشرتها الإخبارية من هناك. صحيح أن «الجديد» ليست وحدها في نادي التطبيل للسفارة السعودية، (فقد برزت أمس، بشكل مستغرب الإعلامية زينة فياض تكيل المدائح بالدعوة الى «قهوة 4»، وتستخدم لغة «شاعرية» تناسب الحدث!). إلا أن هذه المحطة، دون سواها، مدينة لنا بتوضيحات. فجمهورها الأعظم ينتمي الى مزاج سياسي واضح، وهو وفيّ لـ «الجديد» استناداً الى وقفاتها المشرفة في السنوات الماضية. فهل تغيّر هذا العقد مع الجمهور؟ من حقنا أن نعرف، إذ لا يمكن أن تستمر «الجديد» طويلاً في هذا الالتباس: تضع قدماً في خندق مقاومة اسرائيل وحلفائها ورعاتها وأذيالها التكفيرية، وتضع قدماً أخرى في مملكة «الإعتدال» و«الوسطية»: تلك التي أنجبت التكفير، وتحالفت جهاراً مع إسرائيل!

* معدل الساعة 8:37 م بتاريخ 24/1/2018