منذ أن تسلّم زياد الريّس إدارة «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» وهو مسكون بهاجس مشروع اسمه «خبز الحياة»، إلى درجة أنّ المؤسسة وقعت في أخطاء مضحكة، عندما وضعت عنوان المشروع على محرّك البحث «غوغل»، وصوّرت ملايين حالات البحث، معتبرة أن كل من بحث عن كلمة خبز أو الحياة في العالم قصد مشروعها. أرادت الجهة الرسمية أن تتباهى بحشد مهيب من المتابعين، قبل أن تتعرّض لتعليقات ساخرة، ما جعلها تحذف الصور عن الصفحة الرسمية للمؤسسة إثر ذلك!عموماً كان ينقص هذا المشروع عين عارفة، وصيغة إعلامية متحررة من ثقل وأعباء وغبار المنطق الرسمي، حتى يتم توضيح وجهة نظره التي تستحق الوقوف عندها، وتفترض أن أعمال المؤسسة لم تكن ترى النور على محطات عربية، إلا في ما ندر! علماً بأنّ المرّات التي تحقق لها ذلك، كانت من خلال بيع بعض الأعمال عن طريق سماسرة يبتلعون من الأرباح أكثر من حصّة الجهة الحكومية. هكذا، ارتأى الريّس أن يخفض الميزانيات ويبتعد عن النجوم «الحيتان» الذين يقتصّون بأجرهم نصف الميزانية، على اعتبار أنّ أسماءهم لم تقدّم قبلاً أي شيء على مستوى التسويق. ثم قرّر أن ينجز أكبر قدر من الأعمال ولو بيعت إلى المحطات السورية فقط، إذ سيكون مردودها أفضل من المراحل السابقة، على أن تشغّل تلك الأعمال أكبر قدر من الشباب أو المهمّشين والمتقاعدين ليس بمنطق خيري، إنّما بذريعة تبنّي الجهة الحكومية لكلّ من فقد فرصاً يستحقها فعلاً.
هكذا، سنشاهد منجز «خبز الحياة» في مجموعة أعمال كلّها تنحو باتجاه الاجتماعي المعاصر، أوّلها «أثر الفراشة» (كتابة محمود عبد الكريم، وإخراج زهير قنوع ــ بطولة: سمر سامي، وعبد الهادي الصبّاغ، وبيار داغر، ولين غرّة، وياسر البحر، وروبين عيسى، ووائل أبو غزالة، وعلاء القاسم… القنوات السورية). يقدّم المسلسل قصة حب مركزة تدور في فلكها مجموعة حكايا غرام إضافية تريد تدعيم مقولته التي تحتفي بالحب في زمن الحرب. الزمن الأوّل يبدأ من ثمانينيات القرن الماضي، فيما تحيك القصة بقية خيوطها في زمننا الحاضر. لم يكن كاتب النص ينوي صوغ حكايته عن الدمار الذي يحيط بنا. ربّما هي رغبة ذاتية برفض كلّ ما وصلنا إليه. لذا، كان لا بد من قول كلمة حب في بحر المياه الآسنة التي نعيش فيها. هكذا، اختار الاستعارة من رائعة غابريل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» والانطلاق لإنجاز عمل سوري قوامه الحب ليروي سيرة سيدة عاشت عشقها العاصف، ثم انتهت بالشتات الذي يشبه يومياتنا، وتزوجت من رجل آخر، لتعيش حالة احترام مع عائلتها. لكن قلبها لم ينسَ الحب الذي عاشته يوماً، فتجد نفسها منصاعة بكلّ جوارحها نحو الرجل الذي عشقته من دون أن تتمكن من إدارة ظهرها لزوجها وعائلتها... من ناحية ثانية، أعاد المخرج الاشتغال على الحدث بأسلوبية الورشة بالشراكة مع ممثليه، في محاولة لتكثيف قصص حب إضافية تمتّن جوهر القصة الأساسية، وتساعد في إيصال رسالة العمل، على أن يكون بمثابة هدية منه للجمهور، وتحية لكل العشاق، خصوصاً كل أنثى تجرّعت الظلم.
«غفوة القلوب» (كتابة هديل اسماعيل، وإخراج رشاد كوكش ــ بطولة: أحمد الأحمد، ومرح جبر، وفاتح سلمان، وأنس طيارة وغيرهم ــ القنوات السورية) هو مسلسل سوري آخر سنتابعه في شهر الصوم. إنّه التجربة الأولى لكاتبته، يحاول مناقشة محاور رئيسة وفرعية تتمتع بالأهمية نفسها من بينها الأسرة وعلاقاتها القريبة والبعيدة، إضافة إلى الخوض في قصص حب أبطالها في مراحل عمرية وأوضاع مادية مختلفة. كذلك، تناقش الحكاية بطريقة سلسة أضرار وفوائد وسائل التواصل الاجتماعي. وفي سياق مختلف، يجرّب إيصال رسالة تنحو دائماً إلى التماس الأعذار للآخرين، ليفضي إلى نتيجة ذهبية تُختصر بأنّ الدم السوري على السوري حرام! كلّ ذلك من خلال يوميات شرطي مرور فقير، يقع على قرص مدمج يوثّق جريمة قتل. يبدأ أهل المجرم بالتفاوض معه ويعرضون عليه دفع مبلغ مالي كبير لقاء الحصول على الدليل، فيقع الشرطي في حيرة: إما المال وظلم شخص بريء، أو البقاء فقيراً وإنقاذ هذا المتهم من حبل المشنقة. أما مسلسل «ناس من ورق» (كتابة أسامة كوكش، وإخراج وائل رمضان ــ بطولة: روعة ياسين، وفايز قزق، وجمال العلي، وعاصم حوّاط، ورنا العضم ــ يحلّ نجوم مكرّسون ضيوفاً على الحلقات على رأسهم دريد لحّام، وسلاف فواخرجي، وديمة قندلفت، وسلمى المصري ــ القنوات السورية)، فيأخذ من اسمه نصيباً ليقتنص المكان حصّته المتفرّدة من البطولة.
يبدو لافتاً دخول المؤسسة على خط الدراما الشامية عبر عمل من تأليف علاء عسّاف وإخراج غزوان قهوجي

فهو عمل متصل منفصل، تندلع شرارة أحداثه من شقة تؤجّر في أحياء دمشق المتوسطة. في هذه الشقة، سنشاهد في كل حلقة مجموعة أشخاص، هم سكان جدد، ونلاحق حكاية المستأجرين، فيما يشارك فيها سكّان البناء الدائمون وهم ثلاث عائلات وعائلة الناطور. إنّهم بمثابة أبطال كل الحلقات فيما سيكون المستأجرون عبارة عن ضيوف حلقات. تميل هذه الحكايات لملاحقة مصائر شخصيات عدة، بالاتكاء إلى تنوّع غني وبالاعتماد على 28 قصة تطرح حالات إنسانية صرفة، وهي الثيمة الرئيسة للعمل، من دون أي جنوح نحو البوليسي أو الأكشن، وإن وجدت بعض الأحداث ضمن سياق هذا النوع، لكن معالجتها تتم بطريقة اجتماعية إنسانية بحتة. هكذا، يبدو التنوّع واسعاً في العمل، لكن الرابط الوحيد والأساسي هو العلاقة بين السكّان الدائمين للبناء، وتلك الطارئة التي تنشأ مع المستأجرين الجدد. كل واحد من سكان البناء يمتاز بطبيعة مختلفة، أوّلهم الحرّيف أو «الحربوق» كما يقال له بالعامية، الذي يجترح حلولاً ذكية وكوميدية، وصولاً إلى المصاب برهاب الغرباء، وصولاً إلى شخص علّق القانون كحرز في عنقه يعود إليه في كل كبيرة وصغيرة... مع تنكيه الحدث بقصة حب تدور رحاها ضمن اليوميات المتباينة لسكان البناء والوافدين الجدد إليه!
مسلسل «عن الهوى والجوى» (كتابة شادي كيوان، وإخراج فادي سليم ــ القنوات السورية) عبارة عن ست خماسيات تطرح سؤالاً حول نتائج الحب بطريقة غير تقليدية من خلال قصص جريئة وصادمة خارج السياق المعتاد. شاركت في هذا العمل مجموعة كبيرة من الممثلين على رأسهم منى واصف، وغسّان مسعود، ومحمّد حداقي، ومحمد الأحمد، وجلال شمّوط...
اللافت هذه المرّة هو دخول «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» بمشروعها «خبز الحياة» نفسه على خط الدراما الشامية من خلال «شوارع الشام العتيقة» (تأليف علاء عسّاف، وإخراج غزوان قهوجي ــ بطولة: رشيد عسّاف، وصباح الجزائري، ومرح جبر، وعاصم حوّاط، وجانيار حسن). هذا النوع من الدراما التي تكرّس قيم الرجعيّة والتخلّف سبق أن اتخذت منها الجهة الحكومية موقفاً أدبياً جعلها سابقاً تنتج مسلسلاً بمثابة ردّ على هذا النوع من الأعمال اسمه «حرائر» (كتابة عنود الخالد، وإخراج باسل الخطيب)، فإذا بها هذا الموسم تتورّط في مسلسل شامي يحمل المنطق البائد نفسه!