هبط الحس النقدي فجأة يوم أمس على بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والمعروفين بدفاعهم المستميت عن منظومة الإعلام الرسمي السوري.هكذا هلّل هؤلاء لبرنامج جديد على قناتي «السورية» و«الإخبارية السورية» بعنوان «ساعدونا لنصير أحسن».
وللمرة الأولى منذ عقود دارت كاميرا التلفزيون السوري في شوارع دمشق، ونقلت آراء «سلبية فقط» من الناس حول الإعلام الرسمي، من دون تلاعب بالمونتاج كالعادة، ولم يكتفِ صناع البرنامج بالآراء الإيجابية كما كان يجري سابقاً. ويبدو أن الخطوة الجديدة تأتي بعد التوجيهات الرئاسية للحكومة بالتواصل «الفاعل والشفاف والصريح» مع المواطن السوري في المرحلة المقبلة. وتشير المعلومات القادمة من دمشق إلى أن القيادة السورية في أجواء ما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي أصبح مؤشراً لا يستهان به إلى الأداء الحكومي والمزاج الشعبي العام، ويتزامن ذلك مع معلومات عن تغيير حكومي بات وشيكاً كما تقول بعض المصادر.
وخلال الفترة الماضية، أصبح انتقاد الإعلام السوري مادة سهلة لأي صحافي مبتدئ، وحتى لأي مواطن أو ناشط على السوشال ميديا، خصوصاً مع التجاوزات والأخطاء الصارخة التي باتت تشكل مادة دسمة للإعلام المعارض لطرحها من باب السخرية.
وفي كل مرة كانت تقع فيها إحدى وسائل الإعلام الحكومية في هفوة أو سقطة ما، كان ينتطح عشرات العاملين في الإعلام الرسمي، والناشطين «الوطنيين»، للتصدي لما يسمونهم بـ «متصيدي أخطاء» الإعلام الوطني.
ويصل هؤلاء إلى حد تخوين كل صوت ينتقد إعلام الدولة وإعلامييها على اعتباره «متمولاً من الخارج» أو يعمل لدى «الإعلام المعادي»، ويعلّقون المشانق على فايسبوك، وتبدأ حرب الـ «سكرين شوت» والمزايدات الوطنية. الغريب أن هؤلاء أنفسهم روجوا أمس للبرنامج «النقدي» الجديد الذي ابتكرته وزارة الإعلام السورية.
وفور بث الفيديو الترويجي الأول للبرنامج، تداولت الصفحات «الوطنية» خبراً بصيغة «موحدة» يشبه الحملة الترويجية للبرنامج الجديد، وجاء في الخبر أن البرنامج يتضمن «جرعة عالية من النقد، وجرأة لم يعتدها متابعو الإعلام السوري وسقفاً مرتفعاً من النقد القاسي والموجَّه بشكل مباشر لمنظومة الإعلام السوري التي تتهم بالخطاب الخشبي».
وخلال جولتها في الشوارع السورية، حصلت مذيعة البرنامج على إجابات غير معتادة حول الإعلام الرسمي، من قبيل «لا أشاهد التلفزيون السوري أبداً، لا حرية ولا جرأة»، وعبر آخرون بشكل صريح عن امتعاضهم من «قصور الإعلام السوري عن مواكبة مشاكلهم وهمومهم، وغياب الشفافية والجرأة في الطرح، والأداء المنخفض للمذيعين والمحاورين، وانعدام الجاذبية في الشكل والمضمون، إضافة إلى غياب المواضيع التي تشدّ المشاهد السوري».
وروج ناشرو الخبر لفكرة أن «البرنامج دليل على وجود إرادة لدى القائمين على الإعلام السوري لمواجهة الذات، عبر سماع ونقل رأي المواطن الصريح بعملهم بشكل مباشر وبعيداً عن أي تجميل أو تبرير».
وأضاف هؤلاء في الصيغة الموّحدة أن «الخطوة الجريئة» تحمل رسالة مباشرة وواضحة إلى الحكومة مفادها أنَّ العتب مرفوع من الآن فصاعداً، وأن وزارة الإعلام بدأت بنفسها، قبل أن تبدأ بالحكومة أو بأية وزارة أخرى.
تبدو خطوة التلفزيون السوري الجديدة، إيجابية في ظاهرها وتحمل تغييراً نوعياً في ذهنية الإعلام الرسمي، ولكن البعض يرى أن وزارة الإعلام احتكرت وسائل الإعلام، والآن تحاول احتكار الحق في نقد الإعلام الرسمي، الذي لم يعد همّ مسؤوليه إرضاء الجمهور وإنما إيصال رسائل معينة لمراكز صنع القرار في الدولة.
بهذه الكلمات همس بعض العاملين في التلفزيون الرسمي لـ «الأخبار»، وقالوا إن هذه الأشرطة «الانتقادية» سوف تبقى كلاماً في الهواء، وحبيسة في رفوف الأرشيف، لأنه لا توجد حتى الآن خطة واضحة وحقيقية أو إرادة أو عمل مخلص، لإنقاذ الإعلام الرسمي السوري.