يخطئ من يعتبر «قابيل» مجرد مسلسل رمضاني، فالعمل الذي يخرجه كريم الشناوي، وكتبه الرباعي كريم يوسف، أشرف نصر، مصطفى صقر ومحمد عزالدين، ويخوض بطولته النجم محمد ممدوح بمشاركة أمينة خليل ومحمد فراج، يعتبر من أهم التجارب الدرامية والكتابية لا في مصر فحسب، بل أيضاً في العالم العربي. يأتي المسلسل كتجربة خاصة في الكتابة. تجربة باتت تزدهر في مصر بعد تجربة نجاح ورش كتابة المسلسلات خروجاً عن «معتاد» الدراما المصرية/العربية حيث الكاتب هو مستفردٌ متوحد. هنا يجتمع أربعة كتّاب ليقدموا نصاً درامياً متميزاً بهذا الحجم. تدور قصة المسلسل تقريباً حتى الحلقة الخامسة عشرة منه حول ضابط الشرطة طارق كمال الذي يعاني من مشاكل نفسية تجعله يرى مجموعة كبيرة من الأشخاص المتوفين ومن ضمنهم زوجته التي فقدها في حادث «مدبر» تعرّض له. تبدو مهارة المخرج وكتّاب العمل كبيرة في إعطاء المشاهدين هذا الشعور بأن طارق ليس «مجنوناً» بل هو مجرد «متضرر/متأثر» بما حدث مع زوجته التي يحبها بشدة. يُستدعى طارق كمال للتحقيق في قضية قاتلٍ يعرض فيديوهات لضحاياه على الإنترنت. ولأن طارق لا يعرف عن الإنترنت شيئاً، يستعين بضابط شاب (علي الطيب) يدعى عبدالرحمن خبير في الإنترنت ومواقع التواصل. من هنا تبدأ رحلة المسلسل مع القاتل المسمى «قابيل». وطوال الحلقات الخمس عشرة الأولى، لا نرى من الممثلين إلا محمد ممدوح وعلي الطيب ولا يظهر بطلا المسلسل الآخران أمينة خليل ومحمد فرّاج إلا لماماً، نظراً إلى أنهما كانا أول ضحايا قابيل. تتعقد القصة كثيراً مع تطور أسلوب القاتل، وفوق كل هذا نجد أن الضابط يصبح هو المشتبه به الرئيس والوحيد خلف هذه الجرائم الوحشية. أدائياً، يمكن اعتبار محمد ممدوح نجم مصر القادم بقوة، فالممثل المصري المولود في الكويت الذي تربّى في حي الحلمية الشهير، بدأ ظهوره القوي في مسلسل «غراند أوتيل» (2016). أصر على أن يكون أداؤه يليق بمستوى معين، قلما نجد مثله في العالم العربي. عبر تنفسه المتقطع، وقدرته على تجسيد أدق المشاعر عبر ملامح وجهه أو جسده، يستطيع ممدوح أن يعطي المشاهد تجربة فريدة في عالم الدارما لا العربية فحسب، بل العالمية حتى. أمينة خليل تلميذة مدرسة «لي ستراسبورغ» الشهيرة، يمكن اعتبارها أحد ورثة «كلاسيكية» الدراما المصرية، فهي الأقرب إلى أداء نجمات العصور الذهبية للدراما المصرية. خرجت خليل هنا عن الإطار الذي «حشرها» فيه أغلب كتّاب الدراما والمخرجين نظراً لطبيعة شكلها وأدائها. هكذا، قدمت هذه المرة صورة الفتاة «الإيمو» و«مدمنة المخدرات». أما محمد فرّاج الذي عرفناه بدايةً في فيلم «1000 مبروك» (2009)، فقد تطور كثيراً، وبرهن أنه يستطيع أن «يواجه» أعتى الممثلين. من هنا، فإن وقوفه أمام محمد ممدوح وأمينة خليل تجربة ناجحة للغاية. طبعاً يتألق في المسلسل كذلك علي الطيب الذي يحافظ على أداء موزون، وينطبق الأمر على الوجوه الجديدة تقريباً مثل روزالين البيه وحسني شتا اللذين قدما أداء يمكن المراكمة عليه خلال الأعمال المقبلة.
يثبت كريم الشناوي أنه من طينة خاصة من المخرجين


إخراجياً يثبت المخرج كريم الشناوي أنه من طينة خاصة ضمن «لعبة» الإخراج. الشناوي الذي درس السينما في الجامعات البريطانية، يقدم أفكاراً مختلفة عن معتاد الدراما المصرية. يلعب لعبة «تدرج الألوان» و«استعمال الإضاءة» بشكل مختلف، فنلاحظ لون المشاهد يتغير تماماً في اللحظات التي «يتخيل» فيها البطل شخصياته «الوهمية». كذلك نلاحظ تركيزه على «العتمة» في مشاهده، فضلاً عن اعتماده على مهارات أبطاله الأدائية فيظهر كثيراً ممثلوه كما لو أنهم على خشبة مسرح. وهذا يظهر التأثر الكبير بالدراما/ المسرح البريطاني. كتابياً، يبدو أن فكرة ورشة الكتابة الدرامية ناجحة، فمجرد أن يكون هناك عدّة كتاب يعملون على «نص واحد»، يجعله يمتلك أبعاداً كثيرة. من هنا نلاحظ بأن الشخصية بعيدة كل البعد عن «التسطيح» المعتاد في الدراما اللبنانية والمصرية عادةً. بمعنى: الشخص إما يكون «شريراً» أو «طيباً» ونقطة على السطر. هذا الأمر نجح فيه كتاب العمل الأربعة، ويحسب لهم أيضاً تقديم عالم مدمني المخدرات بشكل «واقعي/حقيقي» بعيداً عن الكليشيهات.
باختصار، يمكن اعتبار «قابيل» فاتحة تجارب مهمة للدراما المصرية والعربية، فهو فعلياً يغامر في مكانٍ خاص به وحده: مخرج شاب لديه رؤية مختلفة، مجموعة كتاب يبذلون جهداً كبيراً، ممثلون محترفون لديهم مهارت كبيرة. النتيجة: عملٌ يستحق المشاهدة.

*«قابيل»: 23:00 بتوقيت بيروت على «mbc مصر»