حقّق انتصاراً بكسر الكليشيه عن صورة «القائد» الفلسطيني لدى العدو. رحّب بهم بالعبريّة «شالوم عليخم» (السلام عليكم)، طمأنهم إلى أنّه يعمل من أجل مستقبلهم ليعيشوا بأمن واستقرار. التظاهرة المناهضة للقاء التطبيعي العلني والأول من نوعه لم تتجاوز العشرين شخصاً أمام مقر المقاطعة. وكعادتها قامت الأجهزة الأمنيّة للسلطة بقمعها، كما قمعت الصحافة من تغطية الاحتجاج المتواضع، واعتدت على الصحافيين «الموجودين في غير مكانهم» بحسب أجهزة الأمن. في الوقت نفسه، شهدت الأجواء الافتراضيّة إعصاراً فيسبوكيّاً انهمرت فيه الانتقادات كالسيول، ولمعت خلالها التعليقات القصيرة كالبرق، إلى أن تراجعت حدتها مع ساعات الصباح الباكر من يوم أمس. مبالغاً في صراحته حد السذاجة، كان محمود عباس «فش عندي إشي أخبيه»، مؤكداً أنّ التنازلات التي قدمتها القيادة الفلسطينيّة عبر التاريخ خطاً أحمر لا رجعة عنه، بل هي الأساس منذ توقيع اتفاقية أوسلو والاعتراف المتبادل بين «المرحوم عرفات والمرحوم رابين» على حد تعبيره، كما أكد رفضه التام لعودة الفلسطينيين إلى العنف «حتى لو لم تنجح المفاوضات، لن نعود إلى العنف، وضعوا تحت «لن نعود إلى العنف» خطوطاً حمراء».بدا رئيس السلطة منزعجاً جداً من موضوع الاستيطان في الضفة الغربيّة، وحدثهم عن خوفه من أن يصحو يوماً ويجد بؤرة استيطانية في المقاطعة، ووعظهم كما الأب الحنون «هيك ما بيصير، التزموا القرارات الأمميّة»، وذكَّرهم مراراً بمبادرة السلام العربيّة في أكثر من موقع من خطابه، وبأنّها «ستؤدي إلى اعتراف جميع الدول العربية والإسلامية بإسرائيل، بمجرد أن تشاهد السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، فإنّها ستهرع وبسرعة لكي تطبع علاقاتها مع دولة إسرائيل»، كما طمأن الحاضرين من الشباب الإسرائيلي والقيادات الفلسطينيّة إلى أن ما يُقال عن أن محمود عباس يريد أن يعيد 5 ملايين لاجئ ويغرق «إسرائيل باللاجئين ما هو إلا بروباغندا لا أساس لها من الصحة».
لم يُذكِّر عباس جنود الاحتياط الحاضرين وأعضاء اليمين المتطرف إطلاقاً بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، ولم يأت على ذكر الأرض المحتلة عام 1948، بل شدد على اعترافه بدولة إسرائيل وشرعيتها وقوتها العسكرية والاقتصاديّة وتقدمها العلمي، وعلى أنّ من واجبها أن تساعد الجار المحتاج على حد تعبيره لأنه أضعف منها، ولا يريد أن تكون له قوة عسكريّة إطلاقاً. وبالنسبة إلى القدس الشرقية، أكد محمود عباس أنّه لا يريد إعادة تقسيم المدينة «لا نريد إعادة تقسيم القدس، نترك القدس مفتوحة ونبني هنا بلدية فلسطينية وهناك بلدية اسرائيلية وفوقهما جسم من أجل أن ينسق بينهما»، فالسلام يتحقق من خلال بناء جسر لا «حائط»، في إشارة خجولة إلى جدار الفصل العنصري. خطاب عباس الذي يمكن وصفه بالحميميّ، أثار سخط الشباب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي. تعجّب كثيرون من لهفته الشديدة للقاء العدو وجيشه في رام الله، بينما لا يلتقي طلاب الجامعات الفلسطينيّة أو أبناء المخيمات، إضافة إلى سعيه الدؤوب إلى مقابلة قيادات الجاليات اليهوديّة في كل البلدان والعواصم التي يسافر إليها، كما قال في خطابه، بينما لا يلتقي الجاليات الفلسطينيّة كما ذكَرَ الناشطون. تعليقات كثيفة جداً عقبت اللقاء، وبدأ السباق إلى كشف صور بعض الشباب الفلسطينيين المشاركين في اللقاء، مستنكرين مشاركتهم فيه، واصفين إياها مع رئيس السلطة الفلسطينيّة بالخيانة، كما سخِر الفايسبوكيون من تغطية بعض الوكالات الإخباريّة الفلسطينيّة للقاء، كالعنوان الذي نشرته وكالة «معاً» عن الخبر أمس «ماذا فعل أبو مازن بقلوب طلبة الجامعات الاسرائيلية؟». ووكالة «وفا» انفردت بلقاءات حصريّة مع بعض الحاضرين (شلومو، ألون، براك، أرينيله...)، واستطلعت آراءهم من دون أن تكلِّف نفسها سؤال الشباب الفلسطيني، أو ذكر تفاصيل حول خطاب رئيس السلطة، بل إنها اكتفت بالعموميّات من قبيل: «عملياً، كان اللقاء عبارة عن حديث مباشر للشارع الإسرائيلي، لأن هؤلاء الطلبة سيعودون إلى جامعاتهم والمؤسسات التي يعملون فيها، وسيتحدثون عن كلمة الرئيس وعن وجود شريك جدي لعملية السلام، بعكس ما تحاول القيادة السياسية الإسرائيلية ترويجه بعدم وجود شريك في الجانب الفلسطيني.». بعد كل هذه المصارحات وغيرها الكثير مما حمله «اللقاء التاريخي»، الذي أرخه موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليّة بـ «حين قال أبو مازن شالوم عليخم»، ماذا ينتظر الشباب الفلسطيني ليترجم «الستاتوس» بفعل حقيقيّ على الأرض؟