يشكّل شهر رمضان الذي بات مرادفاً للمنافسة التلفزيونية الدرامية، مختبراً أساسياً لقياس نسب المشاهدة، ومحاولة كشف ميول الجمهور واهتماماته بهدف رصد المستجدات التي طرأت على المشهد التلفزيوني، وعلى سلوكيات المشاهدة، التي باتت مهددة اليوم بمنصات رقمية، وأخرى تفاعلية الكترونية. أرقام واحصاءات ظهرت تباعاً على مدى ثلاثة أسابيع من شهر الصوم، تكشفت فيها خارطة مزاج الجمهور اللبناني أو عينة تمثيلية عنه. نتحدث هنا عن شركة «آراء» التي تعاونت مع GFK، لنشر أرقام المشاهدة وأسماء المسلسلات التي حصدت نسباً عالية من المتابعة، الى جانب الدخول في تفاصيل أخرى، قد تكون مؤشرات (العمر، الجنس، الدخل، الطائفة...) يمكن للخبراء الإجتماعيين والنفسيين التعمق في أرقامها، للخروج بنتائج أو فرضيات. علماً أنّ شركة «ايبسوس» غابت هذه السنة لأسباب قيل إنّها تتعلق بنسب المشاهدة المنخفضة لـ lbci. هذا العام، انحصرت المنافسة بين «الجديد»، و mtv، مما أثّر طبعاً في كثير من الأرقام والمشاهدات، سيما مع فشل lbci في دخول المنافسة، رغم طرحها عدداً كبيراً من المسلسلات بخلاف العام الماضي حين احتلّ عملها «كل الحب كل الغرام» (كتابة ـ مروان العبد- اخراج ايلي معلوف) الصدارة. الى جانب انحسار المنافسة بين قناتين محليتين، يُسجَّل انخفاض في نسبة المشاهدة مقارنة بالعام الماضي. بحسب «آراء»، فإن 9 % سجلت كنسبة مئوية للدلالة على فارق المشاهدة بين العام الماضي والحالي. رقم ملفت الى جانب جلوس من هم دون الـ 15 عاماً مدة نصف ساعة فقط يومياً أمام التلفزيون. أمر قد يكون منطقياً كون هذه الفئة هجرت الجهاز التقليدي أي التلفزيون، ولجأت الى منصات تفاعلية تشبهها أكثر.
حُرم الفقراء (دخلهم دون الـ 800$) حتى من «امتياز» المشاهدة

«الأخبار» التقت الرئيس التنفيذي لشركة «آراء» طارق عمار في جردة لما بعد شهر الصوم. يؤكد عمّار دوماً على بقاء التلفزيون جهازاً يجمع العائلة في لبنان، وعلى أنّه بلد يمتاز عن غيره، بهذه الخاصية، مع تفاوت في الأذواق بين الجمهور، وقراءة سلوكياته تبعاً للتنوع الطائفي، والسن، والجندر أيضاً. كل هذه الأرقام تشكل مؤشراً يمكن قراءته بالإستناد الى الواقع الإعلامي والإنتاجي (شهد هذا العام انتاجاً وفيراً في الأعمال الدرامية)، والى خصوصيات كل جماعة تعيش في البلد. في فترة القياس الرمضانية التي تمتد بين الساعة الرابعة بعد الظهر ومنتصف الليل، يتضح ــ بحسب عمار ـــ أن نسب المشاهدة لم تختلف عن باقي الأشهر السابقة. فقد اتخذ من شهر كانون الأول (ديسمبر) نموذجاً لمقارنته برمضان، خصوصاً أنّه شهر حافل بالأعياد والجلوس لوقت طويل أمام الشاشة. لكن يبدو أن لا فارق بين الشهرين لجهة معدل مشاهدة التلفزيون: خمس ساعات و23 دقيقة، هو معدل جلوس المشاهدين أمام التلفزيون بشكل متقطع، تتوزع أربع ساعات منها على مَن دون الـ 15 عاماً، فيما ترتفع عند الأشخاص ما فوق الأربعين عاماً، إذ تسجل لهم ساعات متابعة عالية، تنخفض مع الأقل سناً (21 عاماً وما دون). بحسب عمار، سجل هؤلاء (الأشخاص ما فوق الأربعين) نسبة متابعة عالية لمسلسل «انتي مين؟» (كتابة كارين رزق الله- اخراج ايلي حبيب- mtv)، كون الأخير استطاع استقطاب هذه الفئة. أما طائفياً، فقد حصدت «الجديد» النسبة العالية من المتابعين المسلمين («آخر الليل»، «الباشا»، «دقيقة صمت»)، واستحوذت mtv ـ عبر مسلسلها «انتي مين؟» ـ على متابعة عالية من الطائفة المسيحية، يليه «خمسة ونص»، و«أسود». على صعيد الجندر، سجل «آخر الليل» يليه «الباشا»، وانتي مين؟»، متابعة لافتة من الذكور في مقابل اهتمام أنثوي بـ «انتي مين؟». ويعزو عمار ذلك الى مهارة كارين رزق الله في مخاطبة النساء ومعضلاتهن، يليه «آخر الليل»، والباشا»، و «خمسة ونص».
وفي ما خص أصحاب الدخل المرتفع والمنخفض وعلاقته بنسب المشاهدة، كان لافتاً استحواذ أصحاب الدخل العالي (ما يفوق 2000 دولار) على نسب مشاهدة مرتفعة، أي جلوسهم ساعات أطول أمام الشاشة، بخلاف الفقراء (دون الـ 800$) الذين حُرموا حتى من «امتياز» المشاهدة، لانشغالهم بتأمين قوت يومهم. يقف عمّار أمام هذا الرقم مشدوهاً، في ظل تردي الأوضاع المعيشية في لبنان، وحرمان فئات كبيرة من أدنى حقوقها. ولدى الدخول بالتفصيل في أرقام واهتمامات هؤلاء ـ أغنياء كانوا أم فقراء ـ نرى أنّ ذوي الدخل المحدود يتابعون «الجديد» تليه mtv، والصورة عكسية بالنسبة الى أصحاب الدخل العالي، الذين يفضّلون قناة «المر»، ثم «الجديد» بنسبة ضئيلة جداً لا تتعدى الـ 1%.