لا دروس يستفيد منها القائمون على توجيه الإعلام المصري في نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. فالأخطاء نفسها تتكرّر منذ قرابة خمس سنوات، بل بات المتابعون والجمهور أيضاً يدركون فوراً المغزى وراء أيّ حملة هجوم أو دفاع تنطلق حول عمل فني جديد أو نجم كبير. لم يعد شيء يتحرّك من تلقاء نفسه والكلّ تحت السيطرة.التضامن الشعبي الكبير مع النجم عادل إمام خلال الخلاف الذي نشب بينه وبين مجموعة «إعلام المصريين» المملوكة للدولة لم يمنع الجهة نفسها من تكرار حملة مشابهة مع المطرب المصري الأشهر عمرو دياب خلال اليومين الماضيين، وبشكل أعنف من حملة غير مباشرة تعرّض لها في الأيام الأولى من شهر رمضان بعد النجاح الكبير الذي حقّقه مسلسل «زي الشمس» (إخراج سامح عبد العزيز) وهو المشروع الذي أشرف عليه الهضبة من دون أن يعلن عن ذلك رسمياً.
فجأة ومن دون مقدّمات، أطلق الإعلامي في قناة «المحور» والمقرّب من الأجهزة المسيطرة على الإعلام، محمد الباز، حملة تبدو في ظاهرها هجوماً على مطربين عدّة، لكن «الهضبة» كان الأقرب إلى مرمى النيران. أما التهمة، فهي عدم تلبية نداء الدولة في المناسبات الكبرى، وهو اتجاه رسّخه عمرو دياب حتى قبل قيام ثورة يناير 2011، حيث تعدّ مشاركاته في الأحداث السياسية محدودة بل شبه معدومة. كما كان يقدّم أغنيات وطنية في فترات متباعدة، حتى أنّ أغنيته الوحيدة التي كانت تتكلّم عن حسني مبارك لم يُذكر فيها اسم الرئيس الذي أطاح به ميدان التحرير. غير أنّ الباز أو مَن طلبوا منه الهجوم على دياب لم يضعوا ذلك في اعتبارهم، إذ بدأت القصة بآراء سلبية في أغنية افتتاح بطولة كأس الأمم الأفريقية التي انطلقت اليوم الجمعة بصوت المطرب حكيم.
وتساءل البعض عن سبب عدم الاعتماد على عمرو دياب رغم أنّه قدّم أغنية مماثلة منذ 28 عاماً، لا تزال تحصد نجاحاً حتى الآن، واستعانت بها إحدى شركات الاتصالات في إعلان ترويجي للبطولة بمشاركة نجم كرة القدم محمد صلاح. ما لا يعرفه المنتقدون أنّ أجهزة الدولة في عهد السيسي باتت تتعامل مع النجوم على أنّهم جنود يجب أن يلبّوا النداء من دون مناقشة، أي لا يحقّ لهم طلب أيّ مقابل ماديّ أو الاعتراض حتّى على التفاصيل الفنية. «نعم» و«حاضر» و«تمام يا فندم» هي فقط الكلمات المطلوبة أيّاً كان حجم النجم، وهو ما يفسّر الأوامر بالتعتيم الإعلامي على عادل إمام لمجرّد أنه احتجّ على تأجيل مسلسله «فالنتينو» (تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج رامي إمام) قبيل رمضان الماضي، قبل أن يضطروا صاغرين لفكّ الحصار إثر الحرج الكبير الذي وضعتهم فيهم شبكة mbc بالاحتفال بعيد ميلاد «الزعيم» في أيار (مايو) الماضي، بينما كانت معظم الصحف المملوكة للدولة تحظر نشر أيّ أخبار عنه.
على المنوال نفسه، قال الباز إنّ دياب لم يقدّم أي شيء لمصر، من دون أن يشرح للجمهور ما العلاقة بين الاعتذار عن الغناء في افتتاح بطولة كروية وبين خدمة الوطن! وعلى الفور، تلقفت المواقع التابعة للدولة التصريحات ونشرتها على نطاق واسع، ليشنّ جمهور «الهضبة» حملة مضادة غاضبة، وتضطر قناة «المحور» لاحقاً لحذف الفيديو، فيما بات المتوقع أن يضطر القائمون على الحملة لاحقاً للتصالح مع دياب كما فعلوا مع «الزعيم»، قبل أن تبدأ حملة جديدة ضدّ فنان أو مثقف آخر، حيث لا يوجد أحد في مصر بعيداً عن مرمى هذه النيران.
اللافت أنّ القائمين على إدارة الإعلام والفن عموماً في مصر، يعملون وفق مبدأ عجيب للغاية كما يقول المطلعون على السوق في المحروسة ويتداولونه في مجموعات على تطبيق «واتساب» و«فايسبوك» بعيداً عن الحسابات الشخصية التي تتعرّض لرقابة لحظيّة. المبدأ يقول إنّ أيّ فنان يجب أن يلبّي النداء من دون أيّ مقابل، وأن ينفّذ عملاً فنياً للدولة ولو مجاناً. هذا لا يعني أنّ الغضب عليه غير وارد في أقرب مناسبة حيث تختلف المصالح، والمثال على ذلك أيضاً هو عمرو دياب. فكيف توقّع القائمون على إدارة الإعلام حالياً أنّه سيلبي النداء ويغني في «استاد القاهرة»، بينما الجهات نفسها هي التي هاجمت مسلسل «زي الشمس» بطولة زوجته دينا الشربيني. بداية من رفضهم عرض المسلسل على قنواتهم واضطراره للتعاون مع شاشة «mbc مصر» السعودية، وصولاً إلى نشر تقارير سلبية عن المسلسل الذي أجمع النقاد على أنّه «الأفضل» في رمضان 2019، وذلك بسبب تفوّقه على الأعمال الدرامية التي أنتجها «إعلام المصريين». أي أنّه لا غضاضة بالنسبة لهم أن نهاجم مسلسلاً ناجحاً بالباطل وننشر أخباراً مغلوطة عنه حتى لو أنّ بطلته هذا هي زوجة النجم الذي قد نحتاج منه لاحقاً الغناء في بطولة قارية!