بين ريتا وجامعة دمشق، «لايك» على فايسبوك، قصة قصيرة بطلتها سونيا طالبة سورية في كلية الاقتصاد، كتبت تعليقاً على أحد المنشورات في الموقع الأزرق، أثار إعجاب صديقتها. التعليق الذي حُذف بعد ساعات، تجاوز حدود العالم الافتراضي، حيث أوصله أحد «المخبرين» بشكل سري وعاجل إلى مكتب رئيس الجامعة، الذي أصدر عقوبة بفصل كاتبة البوست لمدة شهر، وتوجيه إنذار لصاحبة اللايك!
الجديد في هذه القضية التي تفاعلت على مستوى البلد، أن سونيا وريتا على حق. يقول مصدر في جامعة دمشق لـ «الأخبار» إن عملية تسريب الأسئلة التي تحدثت عنها الطالبة في التعليق وقعت فعلاً. حتى إن الأسئلة المسربة وصلت إلى الهاتف المحمول الخاص برئيس جامعة دمشق ماهر قباقيبي قبل بدء الامتحان بساعات. وبعد التحقق من صحة الرسالة، تم إعفاء عميد الكلية الدكتور عدنان غانم من مهامه، إثر زيارة قام بها وزير التعليم العالي السوري إلى الكلية في اليوم التالي للحادثة. ولكن المثير للاستغراب كما يقول المصدر أنّ أستاذ المادة التي تسربت أسئلتها عيِّن عميداً للكلية.
وتقول سونيا إنها راجعت وصديقتها لجنة الإنضباط، وهو ما يتعارض مع تصريحات قباقيبي لإحدى الإذاعات المحلية حيث قال إن قرار الفصل سببه امتناع الطالبتين عن المثول أمام اللجنة. وبعدما وعدت اللجنة بـ «لفلفة» القضية دون عقوبة، فوجئت الطالبتان بالفصل والإنذار، في ظل صمت تام من قبل «الاتحاد الوطني لطلبة سوريا»، الذي يفترض به الدفاع عن الطلبة!.
ولكن يبدو أن رئاسة جامعة دمشق اختارت التشهير بالطالبتين بدلاً من مصارحة الرأي العام بالحقيقة.
حادثة تبدو للوهلة الأولى مثيرة للسخرية والتهكم ولكنها فتحت الباب أمام تساؤل كبير عن مصير حرية التعبير وحق الانتقاد في أهم صرح علمي في سوريا، هو جامعة دمشق التي تحولت إلى مكان لتصفية الحسابات مع طلابها.
وباتت جريمة «وهن عزيمة الأمة» موضة قديمة، كما قال البعض، وحلت مكانها جريمة «وضع لايك» على فايسبوك.
وللمفارقة، رأى آخرون أن الأجهزة الأمنية أصبحت أكثر الاجهزة استيعاباً للرأي الآخر، وأصبح يتوجب على مؤسسات الدولة الإدارية والأكاديمية والإعلامية ذات النزعة «البوليسيّة»، أن تقتدي بأجهزة المخابرات في احترام المواطنين!.
ورغم افتتاح فرع مختص في وزارة الداخلية السورية عن «الجرائم الالكترونية»، فإن معظم المسؤولين باتوا يكلفون موظفين لديهم لمراقبة ما يكتب عنهم على مواقع التواصل الاجتماعي ومعاقبة الموظفين الذين يكتبون عنهم بشكل سلبي أو حتى من يتفاعلون مع منشورات توجه النقد لهؤلاء المسؤولين بدلاً من الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن مواقع الخلل والفساد والحصول على رد فعل المواطنين على أداء الحكومة.
هذه التصرفات التي أجمع المعلقون على أنها لا تليق حتى بـ «آدمن» غروب على فايسبوك، وليس بمسؤول رفيع في مؤسسة يفترض أن تكون عنواناً للحضارة والرقي وقبول الرأي الآخر.
وربما يكون تصرف جامعة دمشق استكمالاً للملحمة الكبرى التي أطلقها رئيس مجلس الشعب السوري البرلمان حمودة الصبّاغ، ضد ما أسماها «مشتقات التواصل الاجتماعي» التي تدار خارجياً لإحداث بلبلة وفتنة بين السوريين، حسب قوله. وفي وقت تخوض فيه جامعة دمشق هذه المعارك الافتراضية مع طلابها، أظهرت التصنيفات الجديدة لمؤشر «ويب ماتريكس» العالمي أن تصنيف جامعة دمشق وصل إلى المرتبة 11 ألف على مستوى العالم، والمرتبة السابعة على مستوى سوريا، ما يعني أنها خارج التصنيف حالياً!.