يقول نابليون بونابرت: «أتوجّس خيفة من ثلاث جرائد أكثر مما أتوجّس من مائة ألف مقاتل». تلخّص مقولة القائد الفرنسي الأهمية الجوهرية للإعلام في الحروب. ومهما تزاحمت الانتقادات حول أداء الإعلام السوري في الأزمة، إلا أنه لا يمكن التعامي عن جهود مضنية وصلت الليل بالنهار لتدلي بقولها، وتؤدي رسالتها بانسجام في الدفاع عن وجهة نظرها، وتأدية رسالتها ولو كلّفها ذلك حياتها، وهو ما حصل مع كثير من المراسلين السوريين الذين دفعوا دماءهم ثمناً لمهنيتهم، وكلمتهم التي ناضلوا من أجل إيصالها. بدون أدنى شكّ أنه بمجرّد الحديث عن الإعلام السوري في سنوات الحرب، سيبرز اسم الإعلامية هناء الصالح إلى الواجهة. المذيعة السورية أتقنت فنّ الإلقاء التلفزيوني بطريقة متمايزة، تخصّها دوناً عن غيرها، لدرجة أن رشاقة أسلوبها والكاريزما التي تملكها خففت من جمود الأخبار السياسية التي تذيعها، وأعطت جاذبية حتى لنشرات أخبارها المسوّرة بقتامة الصورة الدامية! مع اندلاع الحرائق السورية، كانت هناء قد وضبّت حقائبها، وركبت أوّل طائرة عائدة من الخليج إلى بلادها. أرادت أن تكون في الشام مهما كان الوقت ثقيلاً! هكذا، تركت وراءها سنوات خبرة متماسكة قضتها منذ تخرّجها سنة 2000 من «جامعة دمشق» (كلية الآداب والعلوم الإنسانية- قسم الأدب الإنكليزي) في العمل على يدي كبيرة مراسلي التلفزيون الدانماركي، ومديرة مكتب الشرق الأوسط، ثم العمل كمراسلة لتلفزيون الكويت، جالت خلاله على العواصم والمدن العالمية، وتلقّت تدريبات مكثفة، ليستقر بها الحال في إمارة دبي ضمن فريق تلفزيون cnbc Arabia. إذ كانت التجربة مختلفة من ناحية العمل مع جنسيات مختلفة عربية وأجنبية، وغنيّة وسط تعدد وجهات النظر والرؤى. هناك قدّمت برنامجاً سياسياً على محطة اقتصادية تحت اسم «البعد الآخر» ناقش القضايا العربية والدولية، وفتح لها المجال لمحاورة كبار الشخصيات السياسية والرؤساء والزعماء على مدار خمس سنوات.
كل ذلك أضحى وراءها لكنه صقل شخصيتها، وأعطاها قيمة عالية وهي تنضم إلى فريق تلفزيون «الدنيا» المحلّي وهو «سما» حالياً. مقرّ المحطة بدايات الحرب كان على طريق مطار دمشق الدولي، أي أنّه كان محاطاً بمناطق سيطرة المسلّحين. لذا صارت أصوات المعارك هي الموسيقى التصويرية للمشهد اليومي المرعب. وسط هذه المعمعة، كان يتوجب عليها الإقامة في مبنى القناة لمدة أسبوع كامل، تعمل فيه على مدار الساعة. تتقاسم مع زملائها نزار الفرّا ومحمد عبد الحميد ساعات البث المباشر، ومسؤولية الإعداد والتنسيق. في حديثها معنا اليوم، تجرّب الصالح الابتعاد عن أي استطراد حول تعرّضها لمكامن خطرة في السنوات الثماني السابقة، سواء كان في محاولة اغتيالها مرّات متتالية في بيتها، أو سيارتها، أو في حجم التهديدات التي تلقتها بشكل شبه يومي! بل يبدو أن كلّ ما تود استرجاعه من سنوات الموت المتلاحق، هو مشهد دراماتيكي مؤثر تمكّنت فيه من إنقاذ سيدة اقترب المسلحون من مكان إقامتها في مدينة اللاذقية: «كلّ ما أذكره أنني طلبت منها التماسك، وكررت لها أنا معك لا تخافي، ثم وجهت نداء عاجلاً على الهواء مباشرة لكل القوات السورية القريبة منها، وبالفعل تمت محاصرة المكان، وإنقاذ حياتها مع عائلتها. هذا واحد من المواقف التي لا يمكن أن تمحيه السنون مهما بلغت قسوتها». تواظب الصالح حالياً على تقديم برنامجها «نبض الشرق» (الأحد والأربعاء 10 مساء على تلفزيون «سما») وتعتبر بأن رسالتها تحتّم عليها العمل تحت وابل الخطر: «حتى لو عاد الزمن سأتخذ المواقف نفسها، ولو كنت سأعمل بالمجّان، المهم أن أقف بالمكان الصحيح في وقت تعرضت فيه بلادي لحرب لم تعرف البشرية شبيهاً لهمجيتها».