هي ثوان قليلة، فصلت أمس بين انتشار خبر إضراب «نقابة أصحاب محطات المحروقات» في لبنان، والتهويل بشأن انقطاع البنزين، وبين طوابير السيارات والدراجات النارية التي تهافتت على المحطات، بعد حالة عارمة من الهلع، وبلبلة كبيرة خلّفها خبر الإضراب... تبعته أخبار أخرى، تندرج ضمن خانة الشائعات، انتشرت كالنار في الهشيم على تطبيق «واتساب»، تفيد بأن معظم الطرقات الأساسية في بيروت قطعت، بسبب احتجاجات شعبية، وصلت الى المطالبة بإسقاط الحكومة. سلّة أخبار وشائعات، عززتها وسائل التواصل ومواقع إخبارية، وخلقت فوضى في بيروت والمناطق، على وقع الأزمة الإقتصادية التي تضرب البلاد، وأسعار صرف الدولار. أزمة انقسم حولها الإعلام المحلي، وبدا الأمر أشبه بعصفورية قائمة بين القنوات، التي حملت مضامين أخبارها تناقضاً تاماً، فيما ظل المواطن اللبناني أسير الشائعات والإعلام الذي يفرض أجندته تبعاً للجهة السياسية التي يتبع إليها. فالمتابع لخطابات بعض القنوات المحلية، سيدرك جيداً اللعبة المكشوفة التي تتنقل بين منابرها، وتظهر بشكل واضح تضارباً في إلقاء المسؤولية على الجهات السياسية وحاكمية مصرف لبنان. أمس، على وقع «الهستيرية المستمرة»، كما وصفتها otv، التي تشكل المنبر الأبرز للدفاع عن «العهد»، حذرت مقدمة نشرة أخبارها من «الشائعات اليومية التي تهدد فرص الإستقرار»، الى جانب «اختراع أرقام مضخمة توحي بأن لبنان ذاهب حتماً الى الهلاك». وعلى mtv، خطاب مزدوج، يطمئن إلى أن لا «أزمة دولار»، من باب دعم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفي الوقت عينه، يتحدث عن أزمة البنزين والإضراب المفتوح والإزدواجية بين المصارف والصيارفة. ولعلّ خطاب المحطة، تجلى، لا في نشرات أخبارها، بل على منبر «صار الوقت». أمس، أطل مارسيل غانم، ليلقي في مقدمة برنامجه، خطاباً مزدوجاً أيضاً، يتحدث فيه عن سياسة «الإفقار» و«الحسابات الضيقة والشائعات»، ويكيل المدائح لسعد الحريري الذي دعا الناس الى «الإلتفاف» حوله، مستذكراً رفيق الحريري الذي أتى «بإعادة الإعمار»، ونجله اليوم الذي يأتي «لصناعة الأمل بعد الحروب»! لم ينس غانم إقحام رياض سلامة في جوقة المديح هذه، فقد وصف الرجلين بأنهما «يتشاركان كرة النار»، واضاف: «لو لم يكن رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان لكنّا نتقبل التعازي بالليرة»، واصفاً منتقدي سلامة بـ«الجهلة»، وما يتعرض له من «اتهامات إعلامية» بـ «الخبيثة»! وحدها lbci، كانت تطرح سلسلة تساؤلات الشارع المطلوبة، حول التناقض الواضح بين أسعار صرف الدولار، وتسخر من كلام سلامة على أن ليس هناك «أزمة دولار». إذ دعت في مقدمة نشرة أخبارها أمس، المسؤولين الى الإعتراف بالأزمة الحقيقية، وعدم إخفائها، وترك المواطن «لقمة سائغة لتسعيرة السوق».
إذاً، أجواء وخطابات متنافرة بين القنوات، عزّزت حالة من الضياع لدى المواطن اللبناني، وسط غياب المعايير المهنية لصالح تنفيذ أجندات سياسية، تلقي بثقلها اليوم، على وضع هشّ وصعب يعيشه اللبنانيون وترقص معه البلاد على حافة الهاوية!