«الإحتجاجات اليوم، بقيت خجولة واستمرت بين هبّة باردة وهبّة ساخنة نحو خمس ساعات، وانفضت من دون أن تحقق شيئاً كأنها لم تتجاوز فشة الخلق»، كلام ورد أمس، في مقدمة نشرة أخبار lbci، لتلخيص ما حصل أمس، في الشارع من احتجاجات شعبية في وسط العاصمة، اعتراضاً على الأوضاع الإقتصادية المزرية. انتقدت المحطة هنا، التظاهرة، ووصفتها بـ «الخجولة»، وبأنها لم تتجاوز «فشة الخلق». قد يكون الكلام صائباً، لجهة التعاطي الشعبي أولاً مع الأزمات التي تتصاعد في الآونة الأخيرة، وتخنق اللبنانيين: تطلق دعوة على فايسبوك، وتتم الإستجابة لها ببضع متظاهرين قد لا يتعدون الألفي شخص، ويصار في ما بعد الى انتقاد هذا السلوك من قبل المتظاهرين الآخرين الذين توزعوا على ساحتي «رياض الصلح»، و«الشهداء». اعتراض سجل لأناس وصل عددهم في العالم الإفتراضي الى آلاف المتجاوبين، وانتهى بهم الأمر الى العدد الضئيل الذي رأيناه على الشاشات. لكن ماذا عن التعاطي الإعلامي مع التظاهرة؟. أمس، ومع انقسام الشاشات التي تجاهل بعضها الحدث (otv و «تلفزيون لبنان)، وانخرط بعضها الآخر في تغطيات مستمرة أو متقطعة، بدا أنّ الإعلام يتعاطى مع الحدث ظرفياً تبعاً «للأكشن» المتولد من الميدان. خمس ساعات مدة التظاهرة التي تنقلت بين ساحات «رياض الصلح»، «الشهداء» و «بشارة الخوري»، نقلت الشاشات قسماً وفيراً منها، وعادت وقطعت التغطية، واستكملت برمجتها المعتادة، لتعود بعدها وتنقل الإحتجاجات لدى حدوث أي توتر على الأرض، من كرّ وفرّ بين قوى الأمن والمحتجين، أو حتى قطع الطرق وإشعال الإطارات المطاطية. تعاطى الإعلام أمس، بمجمله مع التظاهرة المطلبية، على هذه الشاكلة، كأنها تحصل في بلد آخر. وربما لولا التطورات الميدانية التي حدثت في ما بعد، لكانت الشاشات تجاهلت بالكامل او بشكل جزئي ما يحصل. ولعلّ الشريط المنتشر لأحد المسنين الذي ردّد عبارة «موجوع»، بحرقة، وشكا وضعه المزري الذي يمنعه من دخول المستشفى، على مواقع التواصل والقنوات المحلية وحتى العربية، أظهر بشكل واضح، عورة التعاطي الإعلامي مع اوجاع الناس، الذين وجدوا أمس، في بعض المنابر فرصة للتنفيس وللحديث عن أوضاعهم الصعبة لا سيما من الفئة الشبابية. هكذا، «اكتشف» هذا الإعلام عبر طريق الصدفة مسنّاً يشكو مرضه وتقاعس الدولة في تأمين علاجه، ولا شك في أنّ كثراً يتقاطعون في أوضاعهم مع هذا المسنّ المسكين. هنا، غدا الإعلام بدوره مركزاً «لفشة الخلق»، كما حال الناس الذين نزلوا الى الشارع وعبروا عن غضبهم وعادوا الى بيوتهم، وليس بمثابة قاعدة يبنى عليها من معطيات الشارع، وأداة للضغط وللفضح لما يحصل في كواليس الأزمات الإقتصادية التي تضرب البلاد. تخلى الإعلام عن دوره، ليضحي شاشة تنقل كلاماً غاضباً صباحاً، ثم تعود لتروّج وتطبل في المساء لمسبّبي أوجاع الناس!