مع بدء تسرّب فيديوات من داخل ندوة «الحياد مفهوم استراتيجي لعودة ازدهار لبنان» التي نظمها «ملتقى التأثير المدني» يوم الثلاثاء الماضي في خيمة The Hub، نطق أحد المحاضرين بعبارة «دولة اسرائيل». بعدها، بدأت سلسلة الإعتراضات الميدانية التي استطاعت إيقاف الندوة ببرنامجها المقرر. وكان الملصق الإعلاني للندوة قد انتشر على السوشال ميديا فأثار بدوره اعتراضات وطرح تأويلات عدة تخص مصطلح «الحياد» المستخدم. أول من أمس، أحرقت الخيمة، بعد محاولات عدة سابقة. وأمس، تداعت وسائل الإعلام مجدداً الى هناك للوقوف على ما حدث. لكن ما خرج من بعض التغطيات الإعلامية ليس مطمئناً، إذا ما جمعناه بالسياق الذي رسم منذ بدء الحركة الإعتراضية على مضمون الندوة المذكورة. كان واضحاً، منذ البداية، أي مع تسّرب الفيديوات التي ظهّرت الاعتراض على كلام المحاضر، ورفع بعض المتواجدين هناك أعلام فلسطين، والمناداة بالقضية الفلسطينية، أنّ تعميةً دخلت على الخطّ مرة تحت عنوان «حرية التعبير» وأخرى حوّرت الحقيقة، وقزّمت من تأثير طرحها. منذ ثلاثة أيام تاريخ موعد الندوة وما تلاها، تنشغل بعض وسائل الإعلام بمتابعة ما حدث، بعدما حرّفت الواقعة، مدّعيةً في البداية بأن من يعترض خارج الخيمة، ينتمي الى «مجموعة حزبية» كما سوّقت mtv في البداية، لتعود وتخرج مصطلحات وعبارات كتلك التي استخدمتها «النهار» وتتحدث عن «مؤشرات قمع خطيرة للرأي في باحة الثورة»، وتصف الندوة بـ «الفكرية». الأمر عينه حصل على «الجديد» أول من أمس، مع الهجوم على فريقه ومنعه من استكمال التغطية في «اللعازارية» اعتراضاً على استخدام مراسلته ليال بو موسى عبارة «حرية تعبير» لوصف الندوة. تكرر المصطلح أمس مع تقرير مسائي عرضته lbci، لغريسيا أنطون، تنقل فيه عن المنظمين أن الندوة أقيمت لمنع «انزلاق البلد في المحاور الإقليمية»، مع تركيز على «كيفية حماية الوطن من انعكاسات السياسات على الإقتصاد». التقرير استضاف مدير «الملتقى» راشد نافع، الذي قال إنّ الخيمة جرت فيها حوارات عن محاربة الفساد، والمواطنة، وانتهى بوصف ما تنتجه هذه الخيمة بأنه «جدّي»، والتذكير بوقفة «تضامنية» مع الخيمة غداً، رفضاً «للتحقيقات الممنهجة». تقرير تبنى النظرية التي سوّق لها المنظمون في ما بعد للنأي بأنفسهم عن قفص الإتهام، لكن الشاشة نفسها، ظهر عليها يوم الثلاثاء الماضي لقمان سليم، في اتصال هاتفي، يناشد فيه حماية الخيمة ويتحدث عن حصار لها يطغى عليه «اللون الأصفر». وقال بالفم الملآن إنّ من أهداف الثورة، كسر تابو صراع لبنان مع الإحتلال الإسرائيلي، بعد سؤاله عن مفهوم «الحياد» المقصود في الندوة (كلام سحبته القناة من موقعها الإلكتروني لاحقاً). طبعاً بعد هذا الكلام، لم يحاجج ماريو عبود ضيفه، بل اكتفى بكلامه. وعلى mtv، أمس، نقل مباشر لمقابلة مع أحد منظمي «الملتقى» خالد حمادة، يؤكد فيه اعتمادهم على «وثيقة بعبدا» التي أضحت برأيه «وثيقة دولية» بعد سؤال مراسلة المحطة رنيم ادريس، عن كون الكيان الإسرائيلي جزءاً من الصراع في المنطقة. ادريس التي طرحت السؤال الجوهري في هذا الحدث، لم تستكمله بايراد كامل الصورة عند اختزالها ما حدث بأنّه فقط تسجيل اعتراض على استخدام مصطلح «حياد»!
في المحصلة، وفي جوجلة سريعة لتغطية حدث خيمة The Hub، كان واضحاً تأرجح الإعلام في هذه التغطية واجتزاءه للحقيقة، وتخليه عن دوره في طرح أسئلة جوهرية عن هذه الأفكار التي تطرح في ساحة الإعتصامات، وعن طبيعتها، حتى ضمن مساحات تلفزيونية تفتح للأطراف المعنية مكاناً للنقاش والمحاججة بدل «ترقيع المشهد» والإسهام في اخماد جدل مهم يحصل في البلاد.