بعد تراجع أسهم «يوميات ثورة» (الجديد)، الذي خرج بعد حراك 17 تشرين، واستمرّ لأكثر من مئة يوم على الهواء، ضمن فترة مسائية بدأت باعتلاء شعارات «الثورة» ومحاربة الفساد، وانحرفت الى اعادة تعويم ظواهر السوشال ميديا، انتهت قبل أسابيع هذه الفترة، التي تناوب على تقديمها مراسلو ومذيعو المحطة، من ضمنهم نيشان ديرهاروتيونيان، وطوني خليفة، يومي الإثنين والأربعاء من كل أسبوع. اضطر الرجلان وقتها، للإستغناء عن برنامجهما والسير بفقرات «يوميات ثورة»، كبقية زملائهم. ومع دخول الحراك أيامه ما بعد المئة، بدأت المحطة، تعيد شيئاً فشيئاً، برمجتها المعتادة، مع استمرار التحركات الشعبية على الأرض، الى أن خفت نجم «يوميات ثورة»، وعاد كل من خليفة وديرهاروتيونيان، الى قواعدهما، هذه المرة، باطار مختلف، فرضته المستجدات الميدانية، والذهنية التي أرساها الحراك وفرضها بعد ذلك على القنوات التلفزيونية. عدا طبعاً، التغيرات التي طرأت في الديكور وغياب الجمهور، في عصر ترشيد النفقات وتحجيم الأستديوات. لأكثر من أسبوعين، ومع تفاوت كل من البرنامجين، في الطرح والفقرات، وإدارة الحوار، ما شاهدناه، يمكن تصنفيه ضمن مسار مستجد على الساحة التلفزيونية، التي شهدت في الأعوام الماضية، انزلاقات جمّة، سيما تلك المتعلقة بما يسمى بـ «البرامج الإجتماعية»، التي اقترنت بالفضائحية وبخرق الخصوصية الإنسانية، واستخدام الجنس كمحرك أساسي لصمود هذه البرامج. ورغم كمّ الإنتقادات التي طالت هذه النوعية الرديئة من البرمجة، الا أنها استكملت كالمعتاد في سبيل تحقيق نسب مشاهدة عالية. الى حين، تغيّر هذه المشهدية، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وسريان نفضة جديدة ألزمت البرامج المماثلة الى العودة قليلاً الى أصول المهنة، وتجنّب اعتماد ما كان سابقاً من انزلاقات. وهذا الأمر لا يعود بالطبع، الى أصحاب البرامج، أو المحطة، بل كان خضوعاً واضحاً لذهنية فرضت، في ذاك التاريخ، تتكئ في الأصل على المحاسبة، والنقد، ولا يمكن إسقاط هنا، تقديم «الجديد» نفسها كناطقة باسم «الثورة»، وهذا يترتب عليها، الإلتزام بمسار مهني معين لا يمكن عودته الى السابق واستخدام ادواته. كان علينا أن ننتظر، هبوب رياح «الثورة» حتى تغيب بشكل كلي، عن برنامج «طوني خليفة» كل الأساليب الملتوية التي استخدمت قبلاً، وتسليع أحوال الناس، واستغلال قصصهم، وخرق خصوصياتهم، ولنشهد أيضاً، على حلقتين أخيرتين لـ«أنا هيك»، يعيد فيهما نيشان المعنى للإعلام الحقيقي، من خلال طرح قضايا حيوية تمسّ مباشرة بالحياة النفسية والإجتماعية للناس، واعتماده على المشاهير كمتكىء للتأثير ولتعميم الفائدة، عدا الحرص على استخدام المصطلحات الإعلامية العصرية في ما خص الأمراض النفسية أو أصحاب الحاجات الخاصة. هكذا، أرسى الحراك مساراً مختلفاً، استطاع تغيير ذهنية لم نعهدها من قبل على شاشات التلفزة. ذهنية تشي بمشهدية جديدة، تحمل لواء المهنية واحترام أخلاقياتها، حتى لو ذهبت أحياناً الى بعض حركات الإستعراض أو اللجوء الى حلبة «فيصل قاسم» كما حدث مع «طوني خليفة» في الأسبوعين الماضيين.