القاهرة | بعد مرور ما يقرب من نصف شهر رمضان، وثلث الأعمال الدرامية التي لحقت بالعرض على الفضائيات رغم كورونا والظروف السيئة التي تحيط بالدراما العربية عامة، وحتى مع وضع هذه الظروف في الاعتبار، نستطيع أن نقول بأن الهزال هو الصفة العامة التي تعاني منها الدراما المصرية هذا العام... مع استثناءات قليلة توفَّرت لها نصوص جيدة وإنتاج سخي، وفنانون لا يزالون يتعاملون مع أعمالهم وجمهورهم بجدية واحترام.يظهر الهزال أول ما يظهر في الأعمال الكوميدية، التي يبدو أن تلهّف الناس عليها، خاصة في رمضان، وفي هذه الأجواء الكئيبة، قد تسبّب في حالة «استسهال» و«استهبال» أمام الكاميرا ووراءها. لجأ صناع الدراما إلى أفكار «بائتة» يتم حشوها بمواقف وحوارات ونكات مكرّرة سخيفة، لا تغني ولا تسمن من جوع إلى الضحك. على رأس هذه الأفكار التي قتلت كتابة وتمثيلاً خلال السنوات الماضية: اثنان من البلهاء يسعيان لتحقيق أحلامهما في الثراء والزواج. نرى ذلك في مسلسلات «رجالة البيت» و«عمر ودياب»، و«اتنين في الصندوق». والعجيب أن المسلسلات الثلاثة تتّسم بثقل دم شديد! فكرة ثانية: مجموعة من الغرباء يضطرون للعيش معاً في بيت واحد عندما يتعرّضون للنصب.

وحده مسلسل «الاختيار» يوثّق أحداثاً حقيقية

فكرة سبق أن شاهدناها في أعمال أجنبية ومصرية كثيرة، تتكرر هذا العام في مسلسل «سكر زيادة» الذي جمع، للمرة الأولى، نبيلة عبيد ونادية الجندي وسميحة أيوب وهالة فاخر وعدداً كبيراً جداً من النجوم كضيوف شرف. مع ذلك، لم تشفع له كلّ هذه الأسماء لإنقاذه من ثقل الدم، والكيمياء السلبية التي تربط بين الممثلات، واختفائهن تقريباً تحت عمليات التجميل ومساحيق الزينة والـ«فلاتر». عصابة من النصابين الظرفاء يحاولون تنفيذ أكبر عملية نصب في حياتهم، على طريقة سلسلة أفلام «أوشن» الأميركية، وفيلم «ربع دستة إجرام» ومسلسل «عزمي وأشجان» الذي عُرض في رمضان الماضي. هذا العام، تتكرّر الفكرة في «بـ100 وش»، لكن بممثلين غير كوميديين، هم نيللي كريم، آسر ياسين، شريف دسوقي، دنيا ماهر، محمد عبد العظيم... كلّهم اقتصرت أعمالهم تقريباً على أعمال درامية جادة. مع ذلك، نجحوا في تقديم كوميديا جيدة جداً، تخلو من «التهريج» و«النكت اللفظية» والغلظة التي تتّسم بها الأعمال الأخرى. يُضاف إلى ذلك أن «بـ100 وش» هو العمل الكوميدي الوحيد الذي تظهر فيه بصمة المخرج واضحة، وهي المخرجة كاملة أبو ذكري التي تخصّصت أيضاً في الأعمال الدرامية «المأساوية»، وإن كانت قد قدمت الكوميديا الخفيفة في عمل سينمائي وحيد لها هو «ملك وكتابة».
يبقى من الأعمال الكوميدية «فالنتينو» لعادل إمام. لعله أكثر الأعمال الكوميدية تجديداً على مستوى الكتابة، ولكنه متخبّط وفاتر من الناحية الكوميدية، باستثناء بعض المشاهد، وهو ما يثير مرة أخرى مشكلة الزمن الذي تدور فيه الأعمال الرمضانية. 30 حلقة في نصف ساعة على الأقل، بينما معظم الأعمال لا تتحمل أكثر من فيلم في ساعتين، أو مسلسل من خمس ساعات، أو يبحثون لها عن كتاب آخرين يجيدون كتابة المسلسلات.
هذه المشكلة تسود الكثير من الأعمال لا الكوميدية فقط. يمكن ملاحظتها بسهولة في المسلسلات «العاطفية»: «فرصة تانية» و«نحب تاني ليه» و«لعبة النسيان». تدور الحبكة حول قصة حب واحدة في الأول والثاني، وحالة فقدان ذاكرة غامضة في الثالث. ويظهر كمّ «المط» و«التطويل» لملء فراغ الشهر الطويل، ناهيك بفكرة البطل الواحد الذي يصنع حوله ومن أجله العمل، والتي تتجلّى أيضاً في الأعمال الثلاثة. الأمر نفسه ينطبق على مسلسل خيال علمي مثل «النهاية» الذي لم تسمح إمكانيات الكتابة ولا الإنتاج بصنع أحداث كثيرة، مع وجود بطل واحد لا يكتفي بلعب شخصية واحدة بل اثنتين. وبالتالي، تتمحور الدراما حوله، وتعاني من اختناق لا يليق بالمسلسلات التلفزيونية، كما تعاني من تواضع الخيال الدرامي الذي انقلب أحياناً إلى كوميديا «لا إرادية».
على المستوى الفني، زادت هذا العام نزعة مستمرة منذ سنوات، وُلدت تحت تأثير الولع بتقنيات الكاميرات الرقمية الحديثة، التي حلّت محلّ الفيديو القديم البائس على مستوى الصورة، وأعتقد أنها أيضاً وليدة انتشار مساحة «الواقع الافتراضي» الذي تعيش فيه الأجيال الشابة. تظهر هذه النزعة بصرياً من خلال عناصر فنية مثل تصميم المناظر والديكور والتصوير والمونتاج تخلق حالة من الاغتراب عن الواقع تزداد عاماً بعد آخر. كما تظهر في اهتمام بـ«أناقة» و«نعومة» البيوت، حتى لو كان ما يدور داخلها قبيح وقاسٍ، كما في «خيانة عهد»، أو في تكوين فني وتوزيع إضاءة محكم وتصحيح ألوان، وملابس على أحدث طراز على ذوق الممثلة والممثل، حتى لو كانت تتناقض مع الشخصية، وحتى لو كنا في دراما شعبية كما في «سلطانة المعز». كذلك تظهر في استخدام «للفلاتر» وكمية مهولة من الماكياج فوق وجوه الممثلات، والممثلين، بشكل يلفت العين ويشلّ حيوية الدراما، حتى في الأعمال الكوميدية البسيطة مثل «فالنتينو» و«سكر زيادة».
اغتراب عن المكان وتأثر بثقافة «الكومباوند» وغياب الحدث السياسي والخلفية الاجتماعية


هذه المشاكل موجودة في معظم، إن لم يكن كل الأعمال، بدرجات متفاوتة، وإن كانت تتجلى بوضوح في أعمال معينة. مثلاً، في «الفتوة» الذي يدور في نهاية القرن التاسع عشر، تتناقض الصورة، بكل ما تحمله من عناصر سابقة، إلى جانب الحوار ولغة الجسد، في إشاعة إحساس بالغرابة، بينما تُبعد باستمرار أيّ إحساس بالفترة التاريخية.
ويبدو تأثُّر كثير من المصورين ومصممي الديكور ببعض التقنيات المقتبسة من السينما العالمية من دون احتساب طبيعة الحياة المصرية، جغرافياً واجتماعياً، وبشكل عام حياة وبيوت لا تشبه بيوت المصريين، ربما تكون مستوحاة من «جماليات» الإعلان التي تربى عليها كثير من هؤلاء الفنانين، أو من ثقافة «الكومباوند»، تلك الغيتوات الجديدة التي تهرب إليها الطبقة «الراقية» هذه الأيام، ويتم تصوير الكثير من الأعمال في بيوتها الخارجة للتو من «كاتالوغات» مجلات الموضة. مع ذلك، يستخدمونها للتعبير عن الحياة في أحياء شعبية وبيوت فقيرة والأدهى عن الحياة في فترات تاريخية سابقة.
على مستوى الموضوعات، هناك اغتراب مماثل، وباستثناء «الاختيار» الذي يوثق أحداثاً حقيقية، و«ليالينا» الذي يطمح للتعبير عن واقع مصر خلال الثمانينيات، تدور معظم الأعمال في عوالم ليس لها زمان أو مكان، لا يربطها حدث سياسي ولا خلفية اجتماعية، ولا همّ وطني يتخلل ثنايا العمل!