برز الفنان السوري القادم من قرية فجليت في الساحل السوري، بكونه واحداً من أفذاذ العمل الدرامي لا المسرحي فحسب، بل أيضاً على الشاشتين الكبيرة والصغيرة. ظهوره بدور «صلاح الدين» في فيلم «مملكة السماء» (2005) مع المخرج البريطاني ريدلي سكوت، وإعطاؤه الدور «روحاً» حقيقيةً ومختلفة، جعله لا مجرد ممثل «عربي» يشارك في عمل «غربي»، بل أيضاً «جزءاً لا يتجزأ» من أسطورة هذا الفيلم. كانت تلك التجربة الأولى لممثل عربي يصبح جزءاً من نجاح عمله لا مجرّد مشارك «هامشي» كما جرت العادة. ومنذ ذلك اليوم كرّت السبحة.هذا العام، كان غسان مسعود على موعد مهم مع مسلسله «مقابلة مع السيد آدم» الذي يجسّد فيه دور الباحث الجنائي والدكتور في الطب الشرعي آدم عبد الحق. تلك الشخصية التي قد تبدو في بداية الأمر شخصيةً عادية للغاية، وإن بدت ملامحها لماحة، وتشبه إلى حدٍّ كبير شخصية الكاتب البريطاني المعروف آرثر كونان دويل، والتي يعرفها ويعشقها العالم: شارلوك هولمز. نحن هنا أمام شخصٍ يتنبه إلى تفاصيل التفاصيل، يعرف الأمور حتى ولو لم يخبره أحدٌ عنها، يدركها بكل جوانبها. آدم عبد الحق بحسب شخصيته يدرّس مادة الطب الجنائي في الجامعة، ويعيش مع عائلته البسيطة. سلوى آدم كانت ابنته الوحيدة المصابة بمتلازمة داون؛ والتي سرعان ما يتم خطفها، لتموت بعد إرجاعها. هنا تتغيّر أوضاع المسلسل ككل: يخرج المارد من قمقمه. يتحوّل المدافع الرئيس عن القانون والعدالة، الذكي الذي يرى التفاصيل إلى منتقم ممن قتلوا طفلته بدمٍ بارد.
قبل الولوج في عمل غسان مسعود وقدراته كممثل «منهجي» أو method actor، علينا أن نشير إلى أنَّه لو أن أي ممثل/مؤدٍّ آخر أخذ شخصية آدم عبد الحق لجانبه النجاح بشكلٍ كلّي أو لربما نجح بشكلٍ عرضي. إذ يقوم المسلسل كليةً على مهارات وجهود وقدرات غسان مسعود الأدائية والتمثيلية: ملامح وجهه المعبّرة، المتعبة، المنهكة والمرهقة. أضف إلى ذلك حركات جسده الخاصة والرشيقة في غالبية الأوقات، خصوصاً في الحلقات التي يتحوّل فيها إلى منتقم. يغوص مسعود في الشخصية إلى حدٍّ كبير لتجعلك تسأل نفسك: هل هذا الشخص هو ممثل؟ هل مر بتجربة -لا سمح الله- جعلته يكون حقيقياً إلى هذا الحد. لا تشك للحظة أنّه قاتل وسيقتل ولربما حتى قد قتل سابقاً، إذ تتغيّر ملامحه وبشكلٍ كبير حينما يلتقي بقتلة طفلته أو من يعتقد أن لهم دوراً في ذلك: تصبح ملامحه صلبة للغاية، جامدة، وتلتمع عيونه كما لو أنّها ستتحدّث. يضاف إلى كل هذا العمق لدى الشخصية ذاتها: قرأ مسعود ودرس حسبما أخبرنا في الأخبار كثيراً حينما اختار الدور، هو يختار أدواره بحنكةٍ خاصة، ويعمل عليها بكلّ ما أوتي من قوة؛ واضعاً فيها كلّ ثقله الإدائي والمعرفي. يقرأ كثيراً حول الشخصية، يدرسها، يغوص في تفاصيل تفاصيلها، وفوق كل هذا يعطيها الكثير من وقته وروحه حتى تظهر على أحسن صورة.
يستخدم مسعود عدّة مدارس في أدائه، إذ إن أستاذ المسرح الأشهر -لربما- في سوريا وفي المعهد العالي للفنون المسرحية (لسنواتٍ طوال) والذي خرّج المئات من النجوم المعروفين اليوم؛ يمتلك ناصية المسرح كما لو أنّها كف يده: ستانسلافسكي حينما يعطي الشخصيات، عابث يشبه يوجين يونسكو وصاموئيل بيكيت حينما يقترب من الحياة اليومية لشخصياته، يهتم بتفاصيل التفاصيل كما برتهولد بريشت والكثير الكثير غير ذلك. لا يكتفي من يراقب شخصية «آدم عبد الحق» بالغوص داخل تفاصيل ما يريد غسان مسعود تقديمه: هل كان من الممكن الإضافة للشخصية؟ هل كان من الممكن تسمينها وتعميقها أكثر من هذا بعد؟ هذا سؤال وحده الممثل السوري القدير يستطيع الإجابة عنه، هو وحده فقط.
تبقى فقط إشارةٌ أخيرة: هذا المسلسل وهذه الشخصية يمكن المراكمة عليها كثيراً للقيام بأجزاء متعدّدة من هذا المسلسل (طبعاً إلا إذا تم قتل الشخصية في الحلقات الأخيرة من المسلسل وهو ما لا نعرفه بعد).

* «مقابلة مع السيد آدم»: 12:00 ظهراً على «سورية دراما»/ 17:05 على «سورية الفضائية»/ 00:00 على تلفزيون «لنا»/ 01:00 بعد منتصف الليل على «سما»