دأبت السفيرة الأميركية دوروثي شيا في الفترة الأخيرة على حركة مكوكية بين وسائل إعلام لبنانية، دشّنت منذ بدء انهيار الليرة اللبنانية، واشتداد الأزمة المعيشية الخانقة على اللبنانيين. في جلّ مضامين هذه المقابلات التي تكررت على الشاشات، تحريض مباشر وواضح على «حزب الله» واتهامه بايصال البلاد الى حافة الانهيار، عدا باقي التصنيفات التي تخرج على لسانها وتستفز طبعاً قسماً من اللبنانيين، مع تأكيد السفيرة في كل مرة على أن بلادها ستبقى الداعم الأول للشعب اللبناني. أمس، فاجأ قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح بقراره القاضي بـ «منع أي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية، سواء كانت مرئية أم مسموعة أم مكتوبة أم إلكترونية، من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية أو إجراء أي حديث معها لمدة سنة»، تحت طائلة ايقاف الوسيلة الإعلامية. قرار أحدث بلبلة واضحة على السوشال ميديا، بعدما انبرى بعض السياسيين والصحافيين في الإختباء خلف شعار الحريات الإعلامية، ليمارسوا استشراساً غير مسبوق دفاعاً عن السفيرة الأميركية. وبعد ساعات قليلة من القرار القضائي المستعجل، وقبل أن تدقق mtv، في حيثيته القضائية ضربت بعرض الحائط، كل هذه التدابير، وأعلنت أنها «كسرت الحظر» وأخرجت دوروثي، في اتصال هاتفي على شاشتها، إذ افادت السفيرة بأن الحكومة اللبنانية قد قدمت اعتذاراً لها. في هذا الوقت، كانت lbci تنشر بياناً تستنكر فيه قرار القاضي، وتعتبره «تدخلاً في قدسية وحرية العمل الإعلامي التي يصونها الدستور»، وأكدت بأنها «ستطعن» في القرار أمام السلطات القضائية المختصة. مساء، تناست كل من القناتين طوابير الناس الواقفة أمام الأفران وقبلها أمام المصارف، وأجلّت هذه الأخبار المعيشية العاجلة الى منتصف النشرة، فيما خصصت المقدمات الإخبارية الى جانب التقارير واستضافة محامين، المساحة الأبرز من هذه النشرات للوقوف على قرار مازح. ثم لاحقاً خرجت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد على «الجديد»، القناة التي فصلت بين خطورة القرار القضائي ومنع اجراء المقابلات، وبين مضامين تصريحات السفيرة. عبد الصمد أكدت أنّ لا أحد في الحكومة قدم اعتذاراً لشيا، وبعد مرور ساعات قليلة، أدلت الوزيرة الى قناة «الحدث» السعودية( القناة التي اتكأ القاضي على مقابلة السفيرة على شاشتها لإصدار حكمه) بأن الحكومة اعتذرت بشكل «غير مباشر» للسفارة الأميركية. عدا تخبّط الحكومة في ايضاح ما حصل، بعد تأكيد السفيرة، على اعتذار الحكومة، فإن بعض القنوات اللبنانية دأبت في هذه التغطية على تبيان بأن قرار القاضي خالف المعاهدات الدولية والعلاقات الديبلوماسية بين الدول، فيما لم ينطق أحد منها بأن ما تدلي به السفيرة يعدّ تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية اللبنانية، وبثاً لمزيد من الفتن الأهلية. ما حصل أمس، من فورة غير معتادة في المشهد الإعلامي المحلي، قد يكون متوقعاً لقنوات صمتت أمام كلام السفيرة وفتحت منابرها للتحريض وللكذب، وها هي تتلطى خلف شعارات حرية التعبير، لتشن حملة شعواء ضد القرار القضائي، وتسعى بكل قواها لدحضه وتحديه، وحتى للسخرية منه، في وقت لم نجد هذه «الحميّة» في الدفاع عن حقوق المواطنين وكشف الفساد والمتحكمين برقاب الناس، كما حصل أمام الأفران أمس.