منذ ثلاثة أيام، تاريخ الإعلان عن احتمال وجود ناجين تحت أنقاض منزل قديم في منطقة «مار مخايل» هدمت طبقاته الثلاث وهوت أرضاً بعد تفجير المرفأ، والأنظار تتركز على تلك النقطة، التي استقطبت عدسات الإعلام المحلي والعالمي، وكاميرات الناشطين وفي الوقت عينه، شكلت مساحة أساسية للإختبار، بما أن النتيجة رست في نهاية المطاف على خلو المكان من ضحايا أو ناجين، وعُمل في اليومين الماضيين، على اتباع فرضية الفريق التشيلي، الذي تنبّهت الكلبة المتدّربة معه الى وجود ناجين تحت الأنقاض. ومن هناك، بدأ سيل من السرديات التي اتكأت في الدرجة الأولى على العاطفة، بما أن الحدث يمثل درجة عالية من التأثير العاطفي، سيما أنّه يقترن بمرور شهر على تفجير المرفأ، واحتمال أن يكون هناك ناجون، بعد نكسة ألمت بأهالي بيروت، وخلّفت ضحايا وجرحى بالعشرات. خلال الساعات الماضية القليلة، كنا أمام ضخّ هائل من المعلومات المتضاربة، وأيضاً أمام استغلال للحدث للتصويب السياسي. هكذا، خرجت رواية تتحدث عن نبض طفل تحت الأنقاض وفق ما أظهرت معدات الفريق التشيلي، ومرة أخرى، لرجل مقعد على كرسيه، ورواية أخرى، تفيد بقصد مجموعة أطفال الشوارع للمكان والمكوث على درجه الداخلي ليلاً. تعدّدت الروايات وانتشرت بدورها على وسائل التواصل الإجتماعي، التي عملت على إعادة انتاجها من جديد، خاصة مع اقترانها بعناصر تؤجج العاطفة بشكل اكبر. لننتقل بعدها، الى تضارب المعلومات بين السكان الذين أكدّوا أن هناك بالفعل ضحايا تحت الأنقاض، وناشدوا المعنيين الرسميين بذلك من دون أن يقلوا آذاناً صاغية، وبين انتشار معلومة أخرى تتحدث عن «ضبط سرعة» وجّه للرافعة التي كانت في ذاك المكان، والتي عُمل بعدها على نفيها. ساعات طويلة من البث المباشر رافقته إشادات واسعة بالفريق التشيلي وبالكلبة المدّربة «فلاش»، ارفقت باسقاطات عملت عليها بعض القنوات المحلية، لتبيان الفارق بين اهتمامات الدولة اللبنانية واهمالها للحدث وللناس، مقابل التفاني الذي أظهره الفريق الآتي من بلاد بعيدة الى لبنان. هكذا، شكل حدث «مار مخايل»، أرضية خصبة للاستثمار السياسي، وأيضاً لإختبار مدى تضارب المعلومات التي عُمل بعضها على تصديره ونشره في الأوساط الشعبية وعلى وسائط التواصل الإجتماعي، والبعض الآخر كان نتيجة وقائع بنى عليها الفريق التشيلي متكئاً على معداته المتطورة، يضاف اليها العامل العاطفي الذي لعب دوراً محورياً في تحريك هذه السرديات وتثبيتها في عقل الجمهور.