جدل وانقسام على جانبَي المحيط الأطلسي. الحالة التي سبقت إطلاق مسلسل Emily in Paris (إميلي في باريس ــ بطولة ليلي كولينز، فيليبين ليروا بيليو، آشلي بارك، لوكا برافو، كايت والش، صامويل أرنولد، برونو غوري وكامي رازات) على منصة البثّ التدفقي الأميركية «نتفليكس» في الثاني من تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي، لا تزال مستمرّة. فالآراء المتضاربة والهجوم الذي طال فريق العمل المؤلّف من عشر حلقات منذ إطلاق الفيديو الترويجي الخاص به لم تختفِ أو تتبدّل بعد.قصة المسلسل الكوميدي ــ الرومانسي بسيطة وتعدّ جذّابة بالنسبة لمَن يودّون متابعة محتوى ترفيهي لا يتطلّب الكثير من التفكير والتركيز على مدى عطلة نهاية الأسبوع مثلاً.
«إميلي كوبر» (تجسّدها ليلي كولينز)، شابة عشرينية من شيكاغو تعمل في مجال التسويق، تحصل على فرصة غير متوقّعة للانتقال إلى باريس والالتحاق بشركة «سافوار». الصبية التي لا تجيد الفرنسيّة إطلاقاً، تعتقد أنّها ستُفيد المؤسسة المعروفة من خلال وجهة النظر الأميركية في العمل، لتتصادم الثقافات في وقت تتكيّف فيه «إميلي» مع التحدّيات في مدينة غريبة، بينما تتلاعب بحياتها المهنية والعاطفية وصداقاتها الجديدة. وبحسب النصّ التعريفي بالعمل عبر موقع «نتفليكس» الإلكتروني، تخوض «إميلي كوبر» مغامرة حياتها الجديدة، محاولةً الموازنة بين العمل والصداقة والحبّ.
يحمل المسلسل توقيع دارن ستار صانع أحد أشهر المسلسلات الأميركية المنتمية إلى هذا الجنر: Sex in the City. كما أنّ أرشيفه يضمّ كذلك أعمالاً من بينها «بيفرلي هيلز 90210»، Melrose Place و«يونغر».
مشاهد خارجية جذّابة وساحرة للعاصمة الفرنسية، وأجواء عابقة بالرومانسية، وأزياء وشخصيات وحبكات سلسة، تنجح في إضحاك المشاهد وإمتاعه ومساعدته في الهروب من الواقع المزدحم بالهواجس والقلق. لكن بعيداً من ذلك، يبدو Emily in Paris غارقاً بالكليشيهات والصور النمطية عن «مدينة الأنوار» وأهلها، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من النقّاد الفرنسيين وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
هناك مَن رأى أنّ سيئات العمل لا تقتصر على تعجرف البطلة وجهلها الثقافي، بل تتعدّاه إلى التعميم والتأكيد مراراً أنّ كلّ الفرنسيين كسالى وسيّئون ولا يلتزمون بدوام العمل، فيما يمضون وقتهم في المغازلة كما أنّهم رجعيون ومتحيّزون جنسياً، من دون استبعاد كليشيه النظافة الشخصية! هذا ما أشار إليه شارل مارتان في مجلة «بريميير». وفي غضون ذلك، تحدّث موقع «20 دقيقة» عن «البيريهات، الكرواسون، خبز الباغيت، النُّدُل العدائيين، البوّابين سريعي الغضب، المهاجرين العنيدين، العشّاق والعشيقات، فضلاً عن وسامة الرجال المُطلقة». حتى أنّ هناك مَن ذهب أبعد من ذلك، معتبراً أنّ Emily in Paris جعل Le Fabuleux Destin d›Amélie Poulain لجون بيير جونيه الصادر في عام 2001 يبدو وكأنّه «فيلم وثائقي».
هذه عيّنة بسيطة ممّا قيل في فرنسا عن المسلسل الذي يبدو أن احتمال تجديده لموسم ثانٍ ليس مستبعداً إطلاقاً. ويمكن أن نضيف إلى صور الباريسيين النمطية أيضاً أنّهم مدمنون على الكحول، كثيرو التدخين، بغيضون، يعيشون جميعاً في متنزه رائع، وكلّ الرجال محترفون في إيقاع النساء في شباكهم...
في هذا السياق، أكدت مقدّمة البرامج التلفزيونية الفرنسية مارجوري بايون أنّ ما يظهر في العمل «هو باريس غير موجودة، تماماً كما لم يستطِع النيويوركيون التعرّف إلى مدينتهم المصوّرة في Sex in the City... كما أنّ المسلسل يبدو أقرب إلى عام 2000 منه إلى السنة الحالية لا سيّما في ظلّ انتشار فيروس كورونا».
التركيز على التعميم الذي طال الفرنسيين، أنسى البعض أنّ الأميركيين بدورهم لم يسلموا منه. من العلاقات الجنسية الخالية من المتعة، الطعام السيّئ إلى قلّة الثقافة والابتذال والصوابية السياسية.
وفيما التزم صنّاع المسلسل الصمتَ تجاه الهجوم الشرس الذي تعرّضوا له، تعكس مقابلة أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مع دارن ستار رأيه إزاء ما قيل. في الحديث الذي تزامن مع إزاحة الستار عن Emily in Paris، قال ستار: «أعرف كيف ينظر الفرنسيون إليّ. حين ينظرون إلى أميركيين، يمكنني ملاحظة بعض أحكامهم المسبقة، كما يمكنني الانتباه إلى بعض أحكامي المسبقة أيضاً». وتابع: «أردت أن أعرض باريس بطريقة رائعة من شأنها أن تشجّع الناس على الوقوع في حب المدينة بالطريقة التي أحبّها».
يحمل المسلسل توقيع دارن ستار


من ناحيته، وفي مواجهة التعليقات السلبية التي طالته، أوضح الممثل الفرنسي لوكاس برافو (جسّد دور الطاهي الوسيم غابريال)، في مقابلة مع مجلة «كوزموبوليتان»، أنّه يوافق على جزء يسير من الانتقادات بطريقة ما، غير أنّه حاول وضع الأمور في نصابها الصحيح من خلال التأكيد أنّ المسلسل المتوافر حالياً على شبكة الـ «ستريمينغ» يصوّر «رؤية واحدة فقط». هنا، شدّد الفنان البالغ 32 عاماً ويتحدّر من مدينة نيس على اعتقاده بأنّ باريس هي «أشياء كثيرة بصرف النظر عن ذلك... إنّها واحدة من أكثر المدن تنوّعاً في جميع أنحاء العالم كما أنّها تضم جنسيات وأحياء مختلفة».
موجة هائلة من النقد والسلبية تلاحق «إميلي في باريس». إلا أنّه وإن كانت الملاحظات محقّة في جزء كبير منها، لكنّها لا تنفي حقيقة أنّ لهذا المسلسل جاذبية لا يمكن إغفالها. وهذا ربّما ما جعله من الإنتاجات الأصلية الأكثر مشاهدة على «نتفليكس» في الأيّام الأربعة الأولى لإطلاقه. وكأنّه وسيلة للتخفيف من ثقل الأيام في خضم الأزمة الصحية العالمية، والركود الاقتصادي والكوارث الجيوسياسية التي تهيمن على الأخبار حول العالم.

* «إميلي في باريس» متوافر على «نتفليكس»



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا