الـ «بودكاست» ليس طارئاً على الإعلام العربي، إذ يعود تاريخه في هذه المنطقة إلى عام 2014 تقريباً، بحسب تقديرات متابعين يشكون من قلّة الأرقام الحاسمة في هذا المجال. لا يزال مشوار هذا الشكل من المحتوى الإعلامي الرقمي في مستهلّه في العالم العربي، لكن نموّه ملحوظ ويجذب جمهوراً متزايداً، بطريقة تدفع صنّاع المحتوى إلى التفاؤل بمستقبل شبيه بما يجري في الغرب حالياً.يتألّف مصطلح Podcast من كلمتَيْ Pod، نسبةً إلى جهاز iPod التابع لشركة «آبل»، وCast المشتقّة من الكلمة الإنكليزية Broadcast التي تعني «بثّ». ويعود استخدامه للمرّة الأولى إلى عمود رأي نشره الصحافي في «هيئة الإذاعة البريطانية»، بن هامرسلي، في عام 2004 في صحيفة «غارديان» البريطانية تحت عنوان «ثورة مسموعة».

(طوماس جيمس ــ الولايات المتحدة)

على صعيد المعنى، يرمز هذا المصطلح إلى «التدوين الصوتي». فالـ«بودكاست» باختصار هو عبارة عن برنامج صوتي مسجّل يُنشر عبر الإنترنت، ويمكن الاستماع إليه في أي وقت وتحميله.
في الولايات المتحدة مثلاً، يستمع أكثر من 124 مليون شخص إلى الـ «بودكاست». وبناءً على دراسة لـ «إديسون ريسيرتش»، أكثر من 42 مليون من الأميركيين يستمعون إليها أسبوعياً، فيما يبلغ حجم الأموال المُنفقة على الدعاية في هذا الإطار، 256 مليون دولار أميركي سنوياً قابلة للزيادة. أما الاطّلاع على هذا المحتوى، فيتم من خلال تطبيقات متوافرة لكلا نظامَي التشغيل، iOS و«آندرويد» (Apple Podcast وGoogle Podcast وSound Cloud و«أنغامي» و «سبوتيفاي» مثلاً)، أو عبر مواقع إلكترونية.
عربياً، انطلق الـ podcast من مصر عن طريق «راديو الأفكار» و«حياة أكثر»، قبل أنا ينتشر في الأردن عبر منصّة «صوت». أما في الإمارات فيوجد Kerning Cultures، وفي لبنان هناك «غيّر موجة» وPolytalks وغيرهما.
بالتعاون مع عدد كبير من برامج الـ «بودكاست»، أصدرت مبادرة «بودكاست بالعربي» لدعم المحتوى الصوتي العربي، في كانون الأوّل (ديسمبر) 2019، نتائج استطلاع شمل 661 شخصاً. وتبيّن أنّ السعودية تحتل المركز الأوّل على صعيد المستمعين بنسبة 56.3 في المئة، يليها الأردن (14.1%) ثم الإمارات (6.6%) فمصر (5%). وتراوح أعمار المستمعين بين 18 و34 عاماً، بنسبة متساوية تقريباً بين الإناث (49.2%) والذكور (50.8%).
في هذا السياق، أوضحت مايا حجيج، مقدّمة بودكاست «ركوة قهوة»، في تصريح لموقع «سي.أن.أن»، أنّ الجمهور لا يزال «نخبوياً»، مضيفةً أنّ «من يختار البودكاست، يفعل ذلك عن قصد مدفوعاً بالرغبة في الاستماع... أهم عنصر لجذب هذا الجمهور هو المحتوى الجيّد وطريقة التقديم».
من ناحيته، لفت عبد الرحمن العمران، مؤسس مبادرة «بودكاست بالعربي» ومقدّم بودكاست «تيار»، في دردشة مع الشبكة الأميركية نفسها، إلى أنّ الـ podcast يغطي «فجوة المحتوى الثقيل أو العميق الذي يبحث عنه المستمع العربي الراغب في الابتعاد عن السرعة والترفيه والاستهلاك».

ستيفانو فلّاحة المدير التنفيذي لـ Podeo

يشكّل الوقت كذلك عامل جذب أساسي، إذ يمكن الاستماع إلى البرامج في أي زمان ومكان، فضلاً عن الجانب الإبداعي الذي يتّسم به المحتوى لناحية المؤثّرات الصوتية وطريقة التقديم وعدم الالتزام بمدة محدّدة، كما هو الحال في الراديو. ارتفاع الإقبال على الـ podcast في العالم العربي، خلق فرصاً واعدة للاستثمار، وإن كانت دونها عقبات تتمثّل بالإعلانات وتحقيق الدخل. وأوضح دليل على هذا هو التجارب الجديدة التي تبرز إلى الواجهة باستمرار، وآخرها منصّة Podeo الرائدة في الشرق الأوسط والمتخصّصة في المضمون العربي.
«وُلد المشروع انطلاقاً من افتقار العالم العربي إلى منصّة توفّر مضموناً عربياً بحتاً»، يقول مؤسّس Podeo ومديرها التنفيذي، ستيفانو فلّاحة، لـ «الأخبار».
على الرغم من ازدياد نسبة الـ «بودكاست» في منطقتنا، غير أنّ التجارب لا تزال «ضعيفة نسبياً نظراً إلى غياب الوسائل المتطوّرة في ما يتعلّق بالإنتاج الصوتي وتمييز السلع (branding) والتوزيع. غالبية التجارب التي أبصرت النور في السنوات الماضية، بدأت كما يحدث على يوتيوب عادةً من دون رؤية واستراتيجية واضحة. وهؤلاء تحديداً حصلوا من خلال Podeo على مساعدة لإعادة هيكلة المضمون وإعادة إطلاقه من جديد عبر منصّتنا».
بحسب فلّاحة، كانت بداية Podeo عندما «لمسنا نقصاً في السوق العربي في محتوى رقمي مسموع بلغة الضاد. يتلخّص هدفنا في تشجيع الناس على الاستماع إلى الـ podcast وتحفيز المُبدعين على إنشاء محتوى بالعربية. هكذا، بدأنا باستقطاب الجمهور العربي للاطلاع على المضامين بالتوقيت والمكان والنوع الذي يريدونه. خلافاً للراديو، تمكّن هذه التجربة المستمع من أن تكون خياراته مُصمّمة على قياسه ووفقاً لتفضيلاته وطلبه».

من نتائج استطلاع مبادرة «بودكاست بالعربي» الصادرة في كانون الأوّل 2019

وبرأيه، لا يزال الابتكار في المحتوى المسموع عاملاً أساسياً يفتقر له الـ «بودكاست» في العالم العربي، في ظل عدم إقدام الإذاعات التقليدية على تجديد طريقة عملها واكتفاء غالبيتها بتوفير برامجها «أوفلاين»: «مع الوقت، لاحظنا حماسة كثيرين لإطلاق برامج الـ «بودكاست» الخاصة بهم، ومن بينهم أسماء معروفة عبر الأثير».
تساعد Podeo كل منشئي المحتوى على امتداد العالم العربي على بدء تجاربهم عبر منصّتها مجاناً، وتسهّل في الوقت نفسه الطرق التي تمكّن الجمهور من الاستماع إليها. هذا ما يؤكده ستيفانو فلّاحة، مشدداً في الوقت نفسه على إيمانه بأنّ «التغيير قادم لا محالة، لكن يتعيّن علينا تعريف أكبر شريحة ممكنة من الجمهور على مفهوم الـ «بودكاست». نحن نحاول أن نقود هذا التوجّه بالتعاون مع مروحة واسعة من منشئي المحتوى العربي».
بن هامرسلي كان أوّل من استخدم المصطلح في مقال نشره في عام 2004 في «غارديان»


في هذا السياق، يوضح الشاب اللبناني الذي درس هندسة الكمبيوتر والاتصالات في «الجامعة الأميركية في بيروت» أنّ ميزة Podeo الأساسية هي «توافر فريق تكنولوجي متخصّص وموقع إلكتروني وتطبيق ومعلومات، تمكننا (بالاشتراك مع مؤثّرين ومشاهير من العالم العربي) من إمداد صنّاع المحتوى بالرؤى والأفكار والتحليلات اللازمة لتحسين المضمون وصقله. وبالتالي، الحصول على محتوى يستند بالدرجة الأولى إلى بيانات (data driven) ويستهدف جمهوراً محدّداً (targeted)».
وفي نهاية الدردشة الهاتفية معه، يلفت ستيفانو فلّاحة إلى وجود مشاريع كثيرة على نارٍ حامية حالياً: «كشفنا أخيراً عن برامج جديدة ومسلسلَيْن وبودكاست كوميدي، على أن نطلق المنصة رسمياً قريباً في السعودية ومصر... المرحلة المقبلة ستشهد دخولاً قوياً إلى أسواق جديدة نظراً للشراكات التي نقيمها مع جهات بارزة لا يمكنني تسميتها الآن».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا