«عزيزي المشاهد، بُصّ على المصادر»، بهذه العبارة خاطب أحمد الغندور، الشهير بـ «الدحيح» جمهوره على «يوتيوب» و«فايسبوك»، محققاً على مدى 236 حلقة، قرابة 750 مليون مشاهدة.من استديو فوضوي يشبه غرفة شاب جامعي، بدأ «اليوتيوبر» المصري منذ العام 2014 بعرض حلقات قصيرة على قناته الخاصة، حققت هذه الفيديوهات نجاحاً كبيراً بإمكانيات بسيطة، قبل انتقاله في العام 2017 إلى منصة AJ+ والتي شكلت له نقلة نوعية، حيث منحته الشبكة القطرية أدوات ساهمت في زيادة نجاحه وقدم من خلالها نسخة أكثر احترافية من البرنامج.
نجح «الدحيح» في تحقيق المعادلة الصعبة، وهي تبسيط العلوم، وتقديمها بأسلوب سلس لغير المختصين، واستطاع تقريب المواضيع العلمية المعقدة للشريحة الأكبر من جمهور السوشال ميديا في إطار كوميدي.
هكذا تنقل خريج الجامعة الأميركية في القاهرة بأسلوب «السهل الممتنع» بين المحتوى العلمي والسياسي والثقافي والرياضي...، وقدم للجمهور قصصاً عن أعظم الشخصيات في التاريخ القديم والعصر الحديث، بأسلوب مبسط وساخر وبعيد عن المبالغة.
وبعد ثلاث سنوات من التعامل مع منصة AJ+، أعلنت الأخيرة في حزيران (يونيو) الماضي، توقفها عن نشر برنامج «الدحيح»، لأسباب وصفتها بالإنتاجية.
شكل الخبر صدمة لمتابعي البرنامج، وسادت حالة من الحزن على على مواقع التواصل الاجتماعي. إلى أن أعلن صانع المحتوى المصري عن انتقاله إلى منصة «شاهد» السعودية، ليقدم هناك برنامجه الجديد: «متحف الدحيح» من أعمال شاهد الأصلية.
وتدور فكرة البرنامج حول متحف شمع يضم تماثيل لمشاهير العالم، وعلى نحو خيالي تستيقظ التماثيل ليلاً ليجد «الدحيح» نفسه وسط عظماء التاريخ، ويقابل في كل ليلة شخصية جديدة، ويعيد التاريخ نفسه ضمن قالب كوميدي ساخر، وكان ضيف الحلقة الأولى «نابليون بونابرت».
وتشكل عودة «الدحيح» رؤية فنية جديدة مصنوعة بإمكانيات وميزانيات ضخمة، وتضيف بعداً درامياً إلى أعمال «اليوتيوبر» المصري.
وبمجرد عرض الحلقة الأولى من البرنامج تصدر هاشتاغ #الدحيح قائمة التريند كأكثر الموضوعات رواجاً على موقع «تويتر».
غير أن انتقال (خريج علم الأحياء) إلى منصة مدفوعة أثار الكثير من ردود الفعل السلبية، فالشخص الذي رفع شعار «شعبنة العلوم»، يطالب جمهوره اليوم (ومعظمه من الطبقة المتوسطة والفقيرة) بدفع الأموال واشتراك شهري مقابل المشاهدة، فتحوّل من صاحب مبادرة خلاقة، إلى منتج إعلامي تشتريه الشبكات الإعلامية التي تمتلك أموالاً أكثر.
كما طُرحت الكثير من التساؤلات حول إمكانية استمرار أحمد الغندور في نجاحه السابق مع منصة مدفوعة قد تفقده جزءاً كبيراً من المتابعين، لأسباب مادية أولاً، وبسبب اختلاف جمهور منصة «شاهد» الأكبر سناً وصاحب الاهتمامات الفنية والدرامية.
انتقال «الدحيح» بين معسكرين متناقضين، طرح نقاشاً حول الأسباب الحقيقة لإنهاء عقده مع مؤسسة «الجزيرة» القطرية، وانتقاله إلى شبكة «إم بي سي» السعودية.
استطاع مقدم البرنامج (26 سنة)، بذكاء الفصل بين توجهات منصة AJ+، التي تنتمي إلى سياسة الجزيرة، وبين محتوى برنامجه، وهو ما اكسبه احترام الجمهور رغم رفض الكثيرين لما تقدمه المؤسسة القطرية.
فهل ينجح «الدحيح» في مغامرته جديدة، ويحافظ على قيمة برنامجه بعيداً عن التسييس، وهو المصنف كأحد أكثر الأشخاص تأثيراً في العالم العربي؟.
أسئلة كثيرة تدور حول سطوة المنصات العملاقة التابعة للمؤسسات الإعلامية التقليدية على صانعي المحتوى عبر الإعلام الجديد، حيث وجد هؤلاء أنفسهم بين نارين: القدرة على الصمود والاستمرار بدون جهة انتاجية، وقدرتهم على تحقيق الاستقلالية عن سياسات المؤسسات المنتجة لأعمالهم.