لم يكن روبرت فيسك مراسلاً حربياً بالمعنى المتعارف للكلمة، بل كان مراسلاً محارباً ينحاز بكل شجاعة لما يعتقد أنه الحقيقة مهما كان ذلك الانحياز مُكلفاً.لقد اشتهر في بلادنا هذا الصحافي البريطاني المولود في دبلن -إيرلندا، والمسكون بقضية شعبها، والكاتب الغربي العربي الهوى حين كتب عن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وعن الانتفاضات الفلسطينية لا سيّما عام 2000، وعن الاحتلال الأميركي للعراق وعن المقاومة العراقية الباسلة بعد عام 2003، وعن الحرب الكونية على سوريا وفيها في العقد الثاني من هذا القرن، وكان يذهب بنفسه إلى ميادين القتال لينقل الصورة كما هي، غير متأثّر بما تعرّض له من حملات ممن لا تعجبهم مقالاته المثيرة للجدل في «اندبندنت» البريطانية، وآخرها مقالاته عن الانتفاضة اللبنانية حين رأى أنّ الحل يكمن في الانقضاض على النظام الطائفي البائس الذي صنعه الفرنسيون للبنان بعد الحرب العالمية الأولى بهدف فصله عن عمقه العربي وعن توأمه السوري.
ولقد فوجئت بحجم الحشود التي غصّت بها قاعة «دار الندوة» حين دعت إلى محاضرة لروبرت فيسك عن الاحتلال الأميركي للعراق وقدم له الأستاذ بشارة مرهج، بعدما أصبحت مقالاته بمثابة رصاصات ضد الاحتلال تستكمل بطولات المقاومين العراقيين.. فلقد نال روبرت فيسك الإعجاب الكبير بما يكتب، خاصة بعد دوره في فضح الاحتلال الأميركي وممارساته ووحشيته في معسكر «أبي غريب» وحظي باهتمام اللبنانيين (وقد اختار عاصمتهم بيروت مسكناً له) والعرب والمسلمين وأحرار العالم.
وحين اتصلت بصديقه وصديقي الأستاذ خالد الداعوق (القنصل الفخري لإيرلندا في لبنان)، ورئيس «منبر الوحدة الوطنية»، لأعزّيه، شاركني في وصفي له أنه «المراسل المحارب»، راوياً لي كيف قال للسفير الإيرلندي في لبنان في عشاء ضمه والداعوق: «كيف تقبلون على أنفسكم كإيرلنديين أن تكون مطارات بلادكم محطات لتزويد الطائرات القادمة من معتقل غونتانامو بالوقود وهي تنقل الأسرى إلى السجون السرية في أوروبا لتعذيبهم».
فقد كان فيسك لا يهاب قول كلمة الحق مهما كلّفه ذلك القول من متاعب، لأنه يعتقد أن الصحافة رسالة، وأن الإعلامي الحقيقي هو الإعلامي الصادق الذي لا ترهبه عصا ولا تغريه جزرة.. رحم الله من كان صديقاً لفلسطين ولبنان والعراق وسوريا وكل قضايا العرب في مواجهة أعدائهم.

* كاتب وسياسي لبناني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا