أعاد عام 2020، وبخاصة ما تخلله من مطبات قاسية جراء جائحة كورونا، الأنظار إلى السؤال المعاصر، ذي التشعبات الجمة، والأفق المجهولة: كيف غيرت التكنولوجيا والبيانات العالم؟ هذا التساؤل، الذي هو ليس بجديد، شغل المراقبين والباحثين على مدى سنوات، ولم يكن للإجابات أن كانت أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن، في نهاية عامٍ مليء بالأحداث الجذرية والمفصلية. أحداثٌ غيرت مجرى الحياة على سطح مرتبك، بيئياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.ارتبطت الإجابات عن شكل الحياة بعد جائحة كورونا، بالتقارير التي صدرت عام 2020 عن حجم البيات الاكترونية التي تم مشاركتها من خلال مستخدمي الشبكة العنكبوتية. فعلى سبيل المثال، عرض تقرير «البيانات لا تنام»، الذي أصدرته شركة «دومو» الرائدة في مجال الاستقصاء، الكم الهائل من البيانات التي يجري خلقها كل دقيقة عبر الانترنت. التقرير الذي ينشر رسماً بيانياً تناول أرقام العديد من المواقع العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التراسل، يفضي إلى بلورة الواقع الجديد الذي انتقلنا إليه: حقبة جديدة من يومياتنا كأشخاص، تلعب التكونولوجيا والبيانات فيها، دوراً أساسياً.
يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم بحسب التقرير، 4.57 مليار نسمة، وبزيادة قدرها %6 مقارنة بالعام الماضي. كما ذكر التقرير أن 59% من مجموع سكان العالم يستخدمون الانترنت.
وفي تفاصيل الرسم البياني الوارد في التقرير، فإن مستخدمي تطبيق واتساب مثلاً، يرسلون في الدقيقة الواحدة حوالي 41,666,667 رسالة، ويجري 1,388,889 شخص مكالمة عبر الفيديو، كما ويجري رفع 500 ساعة من الفيديو على موقع يوتيوب، في الوقت عينه.
أما عن شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، وفي دقيقة واحدة فقط، يجري مشاركة 147,000 صورة عبر فايسبوك، ويحظى موقع تويتر بـ 319 مستخدماً جديداً. كذلك، ينشر مستخدمو إنستغرام 347,222 «ستوري»، بينما تحظى إعلانات الحسابات التجارية بـ 138,889 مشاهدة من قبل مستهلكين محتملين.
وتظهر الأرقام 404,444 ساعة من البث على موقع نتفليكس، فضلاً عن تحميل تطبيق تيك توك 2,704 مرات بالدقيقة.
وبطبيعة الحال، كان لتطبيقات ومواقع الاجتماعات والتعليم عن بعد حصتها الوافرة من تدفق البيانات هذا العام، فقد استضاف تطبيق زووم 208,333 شخصاً خلال الدقيقة الواحدة، فيما حصد «مايكروسوفت تيم» أكثر من 50,000 مشترك. وفي عصرٍ فقد فيه عددٌ هائل من الأشخاص وظائفهم، تم ارسال 69,444 طلب وظيفة من خلال موقع «لينكد إن» كل دقيقة من عام 2020.
سجلت خطوات العجلة الاكترونية تسارعاً ملحوظاً في الأعوام العشرين الماضية. ففي الفترة الممتدة من عام 1991 حتى اليوم، تم رصد ظهور الرسائل النصية (1992)، شركة آبل (1993)، الـ DVD (عام 1995) الـ USB (عام 1996)، شركة نتفلكس (1997)، محرك البحث غوغل (1998)، بلوتوث (2000)، الـآي باد (2001) وفيسبوك (2004)، يوتيوب (2005)، تويتر (2006)، العملة الاكترونية (2009).... ما ذكر على سبيل المثال لا الحصر، كان له أثر بالغ على مجرى تطور حياة البشر. أحدثت هذه التطورات التكنولوجية واقعاً افتراضياً جديداً، تجلى عند انتشار فيروس كورونا، وأجبر البشرية جمعاء على اعتماد التواصل الافتراضي، حصراً. حتى إن بعض المجتمعات المتأخرة عن اللحاق بعجلة التكنولوجيا، تجد صعوبةً في تخطي الانقطاع الاجتماعي المفروض عليها.
ما نشهده اليوم سابقة، ستغير الكثير في أنماط العيش. الاعتماد الكلي على التكنولوجيا وأدواتها أمرٌ بات واقعاً، استعجله تفشي الفيروس. التحول الرقمي الكبير كان حتمياً، لكنه كان بوتيرة معتدلة. اضطرار البشر إلى مواصلة التواصل، اختزل سنيناً من عمر مسار التحول. وها نحن اليوم أما التحدي الكبير: أي القطاعات والمجتمعات ستصمد وتنجو؟ وأيها ستخسر معركة البقاء أمام غول التطور الكبير، وتفنى؟