«وكان الله يحب المعلنين»...حديث غير مسند

قال رمزي إنه اخترع هذا القول تعبيراً عن ذروة المحاولة عند من يريد إقناع أيّ أحد بضرورة الإعلان. وهي الفكرة التي استحوذت على عقله لعقود عدّة. كان رمزي ينظر إلى لبنان على صورة البلد الذي كان قائماً قبل الحرب الأهلية. لديه أفكاره الخاصة حيال التغيير الضروري للنظام العام، وحتى للذوق العام. لكنّه ظل أميناً ووفياً لفكرة الاقتصاد الحرّ والليبرالية الغربية، وكان يرى في الإعلام المفتوح والإعلان شرطاً لحماية هذه الصورة غير المقيّدة...
التجربة علّمت رمزي أشياء كثيرة، من بينها أن لكلّ عمل أسسه وقواعده، وأن المغامرة توجب معرفة هذه القواعد والأسس واحترامها. وهو ما جعله يصطدم مع ناقصي الذكاء وصانعي التفاهة الذين سيطروا على المشهد الإعلامي والإعلاني في العقدين الأخيرين. لم يكن خروج رمزي من حقل الإعلان التقليدي تعبيراً عن فشل مهني كما يروّج له خصوم تُفَّهٌ، بل كان خليطاً بين ضيقه من هؤلاء الذين لا يريدون بذل أي جهد لخلق فكرة جيدة، وبين استعجال أصحاب رؤوس الأموال إلى ما يُظهرهم بصورة مغايرة تماماً أمام الجمهور. ومشكلته، هنا، لم تكن مع القابض على المال فقط، بل مع الكادر اللبناني الذي لم يقرأ التحوّلات من غيره، ولم ينتبه إلى أن العالم القريب والبعيد صار متقدّماً كثيراً عليه، وأن عليه بذل الجهد الكبير للمحافظة على عناصر تمايزه المرتبطة بالمعرفة وبالقدرة على الإبداع.
لم نكن على وفاق سياسي أو ثقافي. لكنّ رمزي، عندما اتصل بي بعد انطلاقة «الأخبار» بسنوات قليلة، كان - كما رفيقه إيلي خوري - ممن يحسدون «جماعة المقاومة» على إنتاج لم يقدر عليه مدّعو «حبّ الحياة». كانت لرمزي كمية هائلة من الملاحظات في جوهر السياسة العامة لـ«الأخبار»، في مقاربتها للملفات السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية والثقافية. لكنّه كان يوافق تماماً على فكرة جوزيف سماحة: أنتم تقدمون الخطاب الذي يصفه خصومكم باللغة الخشبية، لكنكم تفعلون ذلك بعصرية تجعله رائجاً. وقدرتكم على احترام المسافة المهنية مع خصومكم، تمنحكم خطوات متقدّمة على غيركم.
كثيرون لم يرتاحوا إلى قدرة رمزي على خلق انطباع إيجابي عند جميع اللاعبين


رمزي النجار جيّر، لسنوات، علاقات كثيرة لديه لمصلحة بناء تواصل مهني وتجاري مع «الأخبار». لم يستفد الرجل يوماً بقرش من كل هذه المشاريع. ولم يكن ليطلب من «الأخبار» شيئاً على الإطلاق: لا خبراً ولا مساحة إعلانية ولا مديحاً أو اهتماماً بصديق. كان على الدوام، يتصرف على أساس أن نجاح التجربة هو نجاح لأصل فكرته، بأن لبنان يحتمل المحافظة على دوره الإعلامي والإعلاني، ولو من موقع سياسي مختلف. وهو أساس في نظرته النقدية إلى سلوك الإعلام اللبناني عموماً، والإعلام المرئي على وجه الخصوص.
كان رمزي يخوض معركة مفتوحة ضد «الرايتينغ». كان يسميه المرض المُعدي والمنتشر بقوة وكثرة. وهو المرض الذي جعل الحوار السياسي مجرد صراخ في الهواء، وحوّل برامج الترفيه إلى أدوات تتفيهٍ للحياة العامة. ووسط كل ذلك، كان يفتقر إلى خفة الروح في مقاربة الخدمة الإعلانية، وكان كثير القلق من عدم قدرة الجيل الجديد على استخدام الأدوات العصرية في تطوير مفهوم الإعلان باعتباره خبراً أصلياً وليس مجرد إخبار عن مُنتج ما.
كثيرون لم يرتاحوا إلى قدرة رمزي على خلق انطباع إيجابي عند جميع اللاعبين. كان أحدهم يقول لي: كيف لهذا الرجل أن يحظى باحترامك وهو مرغوب عند أعتى خصومك السياسيين والمهنيين.
لقد كان صعباً على كثيرين فهم خاصّية رمزي، الذي لم يكن محايداً على الإطلاق. وكانت له شطحاته أيضاً. لكنه كان يعرف جيداً، أن علم التواصل الذي احترفه أخيراً، يقوم على فكرة مدّ الجسور، وعلى فكرة الحوار الدائم وتبادل الأفكار. لكنّه كان صعب المراس أمام تزوير الحقائق. ولطالما كان هو الكاشف عن أكاذيب مؤسسات أو أفراد امتهنوا تزوير الحقائق لغايات تجارية، وحجته: لماذا يفعلون ذلك، السوق كبيرة وتتسع للجميع، فلماذا هذه الألاعيب؟
مشكلتي معه كانت في قدرته على الدفاع عن منتجه، سواء كان فكرة أو صورة أو حتى شعاراً، بينما هو يعرف أن المُنتج المروّج له يجب إطاحته من أساساته. لكنّ رمزي، المغامر في أشياء كثيرة، لم يكن مغامراً انتحارياً، وكانت لديه القدرة على تحمّل الكثير من سخافة القوم وثقل دمهم وتطلّبهم غير المبرّر، فقط لأنه كان شديد الواقعية إزاء هذا البلد الفاقد لقوة الإنتاج التي تجعله يدّعي الاستقلال الكامل.
رمزي نجار كان مفاجأة إيجابية مستمرّة لي، وكان دائم المبادرة إلى التواصل، وأستاذاً في احترام الأصول!
رمزي... وداعاً!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا