كغيره من القطاعات، أرخت جائحة كورونا بثقلها على الإعلام حول العالم. كان هذا الحدث الأبرز على صعيد صناعة الميديا في 2020. سرّعت الأزمة الصحية العالمية توجّهاً برز منذ سنوات لدى الصحف الأميركية إلى التخلّي عن مكاتبها وقاعات تحريرها، رغم احتفاظها بالصحافيين العاملين فيها. الدافع الفعلي لهذه الخطوة مالي أكثر مما هو صحيّ. مثلاً، بادرت نحو عشر صحف، من بينها «نيويورك ديلي نيوز» و«ميامي هيرالد» و«بالتيمور صن»، إلى فسخ عقود إيجار مكاتبها. ورغم أنّ القائمين على هذه الجرائد يربطون هذه الخطوة بالتدابير الوقائية للحدّ من انتشار كورونا، غير أنّ مراقبين رأوا فيها استغلالاً للظروف الاستثنائية بهدف خفض التكاليف. في سياق متصل، منح عملاق التكنولوجيا «مايكروسوفت» موظفيه خيار العمل من المنزل، فيما أعلنت «غوغل» و«فايسبوك» أن لا عودة للموظفين إلى المقرّات قبل 2021. بعد خسائر قُدّرت بين 18 و19 مليون دولار سنوياً، قرّرت مؤسسة Valence Media الإعلامية الأميركية خفض عدد موظفيها، خصوصاً في «هوليوود ريبورتر» و«بيلبورد» و«فايب»، لما أوقعه كورونا من خسائر فادحة في العائدات. صحيح أنّ الآثار كانت سلبية في معظمها، إلا أنّ الواقع بالنسبة إلى «نيويورك تايمز» كان مغايراً. مثلاً، تجاوز عدد مشتركيها في تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي عتبة السبعة ملايين، وسجّلت مليونَي اشتراك إضافي خلال سنة في نسختها الرقمية. وسرّع الوباء في إعلان مجلة «بلاي بوي» الإباحية الشهيرة، عن توقف صدور نسختها الورقية في الولايات المتحدة.

روبرت فيسك

الواقع لا يختلف في بريطانيا، حيث أضعفت الجائحة الصحف، وتخشى وسائل الإعلام وقوع أزمة جديدة تضرب الصحافة المحلية. في هذا السياق، توقّفت مجلة «كيو» الموسيقية البريطانية عن الصدور بعد 34 عاماً.
من ناحيته، قدّم رئيس مجلس إدارة «يورونيوز»، ميشال بيترزالي، إلى المنظمات النقابية في فرنسا، خطة لإعادة توزيع القوى العاملة، داخل مؤسسته مع طرح إمكانية فقدان 50 وظيفة لديه، بين مجموعة موظفين يصل عددهم إلى 900. ومن أبرز أسباب هذه الأزمة سوق الإعلانات الذي ضربه الوباء، وأفقد المؤسسة بين 35 و50 في المئة من المداخيل الإعلانية.
في فرنسا أيضاً، تواجه صحيفة L›Équipe الرياضية أزمة كبيرة، دفعتها إلى خفض ساعات العمل والرواتب بنسبة 10%، وتشجيع العمل عن بعد والتقاعد المبكر. ولفتت إلى أنّ خسائرها في أعقاب أزمة كورونا بلغت أكثر من 16 مليون يورو. أسترالياً، جاء فيروس كورونا، ليضرب مجدّداً هذا القطاع. إذ أعلنت مجموعة «نيوز كورب» الإعلامية المملوكة للـ «تايكون» روبرت مردوخ، توقّف إصدار ستين صحيفة محلية ورقية أسترالية، مع تراجع إيرادات الإعلانات الذي أسهم فيه كوفيد ــ 19.
كما علّق عملاق الميديا الألماني «باور ميديا»، الناشر لعشرات المجلات، طباعة «عناوين محدّدة» وسرّح 140 موظفاً بسبب «انتشار فيروس كورونا وتأثيره على صناعة الإعلان». وعلى صعيد كورونا أيضاً، كثّفت مواقع التواصل الاجتماعي من جهودها لمكافحة الأخبار الكاذبة، على رأسها «فايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب».
كثّفت مواقع التواصل جهودها لمكافحة الأخبار الكاذبة المرتبطة بكورونا


بعيداً عن كورونا، استحوذ مقتل الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يديْ شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس في 25 أيار (مايو) الماضي على مساحة في المشهد الإعلامي. فالتظاهرات التي شهدتها الولايات المتحدة هزّت هيئات تحرير العديد من وسائل الإعلام في البلاد التي وجدت نفسها مضطرة للتساؤل عن تغطيتها للمسألة العرقية، وفي بعض الأحيان عن نقص التنوّع فيها. دفعت «انتفاضة جورج فلويد» كذلك بشركات إلى الانضمام إلى مبادرات للمساواة والعدالة العرقية، منها «آبل» التي زادت الإنفاق مع شركات التوريد المملوكة لسود بقيمة 100 مليون دولار أميركي، وهو المبلغ نفسه الذي قالت «يوتيوب» إنّها ستنفقه لتمويل الفنانين السود. وفيما بقيت اتهامات انتهاك الخصوصية تلاحق منصات السوشال ميديا، قرّرت ولايات أميركية عدّة مقاضاة «فايسبوك» و«غوغل» بتهمة الاحتكار.
على وقع بدء محاكمة 14 شخصاً بتهمة مساعدة المسلّحين في هجوم استهدف مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية قبل خمس سنوات وأودى بحياة 12 شخصاً، أعادت المجلة الفرنسية الساخرة نشر رسوم النبي التي عرّضتها وقتها للهجوم وللاعتداء الإرهابي. خطوة، عرّضت «شارلي إيبدو» للتهديد مجدداً من قبل تنظيم «القاعدة». فما كان من مئة وسيلة إعلامية محلية إلا أن أصدرت رسالة مفتوحة داعمة للمجلة وتدعو فيها إلى التعبئة لمصلحة حرية التعبير. ولم ينته عام 2020 من دون حصد أرواح صحافيين ذائعي الصيت، أبرزهم البريطاني روبرت فيسك (1946 ــ 2020) ومواطنه هارولد إيفانز (1928 ــ 2020).

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا