«انتهى الدرس يا غبي» (1975) عنوان مسرحية من بطولة محمد صبحي ومحمود المليجي وتوفيق الذقن، بعبّر بشكل كبير عن خطواة الإمارات الشجاعة في التطبيع مع إسرائيل، وكأنها تقول ذلك لتجار القضية.. نعم.. انتهى الدرس يا غبي» (الروائي السعودي تركي الحمد). قدم النظام السعودي كل ما يملك من أدوات اعلامية سبقت خطوات التطبيع بين دول خليجية وعربية ودولة الاحتلال الاسرائيلي، التقارب «الجديد» مع الكيان الاسرائيلي، ظهرت بوادره مع صعود الطامح للعرش، محمد بن سلمان، عبر استحضار شخصيات واقلام معروفة في الوسط الثقافي والصحافي ومدونين على صفحات التواصل الاجتماعي، بالاضافة إلى المنابر الدينية للترويج لدعوات التسامح مع الآخر وعن العلاقة الودية للنبي محمد مع اليهود. أمر «بشّرنا» به صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنير، بكون تطبيع العلاقات بين السعودية و«اسرائيل» هي مسألة وقت. بل زايد عليه رئيس تحرير «عكاظ» جميل الذيابي، كون التطبيع الخليجي «يلقي حجراً ثقيلاً في البركة الجوسياسية الراكدة في الشرق الأوسط والعالم». من جهته، علق الاعلامي دهام العنزي، على خطوات التطبيع الجديدة بالقول: «نحن والاسرائيليون في خندق واحد، وهم أقرب إلينا من الأتراك والفرس».في اطار زحمة المطبعين، قطعت السعودية أشواطاً أقل ما يقال عنها بأنّها مغازلة صريحة للعدو مستخدمة القاموس «الأقذر» منذ احتلال فلسطين حتى اليوم، بدءاً من تلفزيون «العربية» وصحف المملكة الرسمية، وليس انتهاء عند «موقع إيلاف»، عدا المدونين المحسوبين على النظام إعلامياً، ورسامي الكاريكاتور، وليس آخرها عرض «مخرج 7» ومسلسل «هارون» على شبكة mbc في شهر رمضان الفائت، وقد وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه «موسم لن ينساه السعوديون، فهو يشهد أكبر حملة تطبيع مدفوعة من حكومة الرياض مع تل أبيب».
تلفزيون «العربية» الذي يبث من دبي، فتح الهواء لاستعراض التقارب الخليجي- الاسرائيلي، استضاف خلالها محللين عرباً وخليجيين يروجون للتطبيع لما فيه من مصلحة تنقل دولهم من مصاف العالم الثالث، حسب تعبير أحدهم. وعشية اتفاق «ابراهيم»، ظهر عبر التلفزيون التابع للديوان الملكي، الأكاديمي المعروف عبدالله الغذامي، ليشرح لنا الفرق بين «الانشطار الدلالي للتطبيع الخائن وغير الخائن»، فيما استعرض بندر بن سلطان في مقابلة من ثلاثة أجزاء، مواقف المملكة تجاه القضية والدعم الذي قدمته «للأشقاء عسكرياً وسياسياً»، وجه فيها الاتهام للقيادات الفلسطينية بالفشل في فرض اتفاقيات سلام مع الصهاينة.
من جهتها ، قدمت صحيفة «الشرق الأوسط» السادات كبطل للسلام، كون مصر «تنعم بنعيم السلام الذي جلبه قائد تاريخي مع دولة من دول الإقليم شئنا أم أبينا». مواد لا تخلو من ضعف الحجة وركاكة اللغة المستخدمة لتبرير التهافت للتطبيع مع العدو، والتبرير له، كون هناك توجه لاتهام صريح من العرب والفلسطينيين «تجار الكضية»، بأنّ المملكة هي العدو الأول للشعب الفلسطيني! وخصّصت صحيفة «عرب نيوز» الناطقة بالانكليزية، مساحة عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتوجيه تحية باللغة العبرية في مناسبة رأس السنة اليهودية الجديدة.
تبادل للضيوف وعروض افلام، ومقالات وندوات مشتركة مع الصهاينة، واجراء اتصالات بين نتنياهو ومدونين سعوديين، غضت الطرف عن لغة جديدة تشجع على كراهية الفلسطينيين والعرب الرافضين للخطوة الخليجية، أو كما سمتهم صحيفة «عكاظ»، بآلة الإعلام القومية المتطرفة والإسلاموية، التي لها «هدف واحد لا ثاني له هو الاسترزاق من وراء قضيتهم والانتقام من قدر خروج البترول في أراضي بدو الصحراء لا في مزارع حيفا ويافا»، حسب تعبير الصحيفة... أو كما عبرت الناشطة السعودية سعاد الشمري لقناة «مكان» العبرية، كون «زيارة إسرائيل من أحلام السعوديين والخليجيين»، مستدركة بالقول: «إنّ العدو هي إيران لا دولة الاحتلال». وتضيف الشمري: «إذا كانت إسرائيل تقف خلف التفجيرات التي استهدفت إيران، فأنتم ناس حلوين، ما توقفوها». من جهته، وصف الإعلامي السعودي، فهد الشمري، أصحاب الحق الفلسطينيين بـ«الشحادين»، معتبراً في تصريح لقناة اسرائيلية، بأنّ «الصلاة في مسجد في أوغندا أشرف من الصلاة في القدس»، وذلك بعد يوم واحد على اختتام «ورشة البحرين الاقتصادية» (يونيو 2019) التي تم تقديمها كبروفة صغيرة لتطبيق «صفقة القرن».
من ناحية أخرى، وعبر الشاشة السينمائية، تم الترويج من الجانبين السعودي والصهيوني لعرض أفلام للفريقين، اذ تم الاعلان في صحف سعودية، عن نية الرياض عرض فيلم للهولوكوست في أحد المهرجانات السينمائية، قبل الغاء المهرجان بسبب جائحة كورونا، فيما سبقتها إسرائيل إلى الإعلان عن افتتاح مهرجان سينمائي موجه إلى المرأة، بفيلم «المرشحة المثالية» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور الحائز جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان البندقية» في كانون الأول (ديسمبر) 2019 في القدس المحتلة. وكان موقع إخباري صهيوني نسب إلى المخرجة المنصور، تصريحات بأنها لا تمانع العمل مع مخرجين إسرائيليين، مما أثار ضجة، لكن المنصور سرعان ما نفت تلك التصريحات.
التغزل الملكي بقيادات تل أبيب، وصل إلى درجة التغني بشخصية غولدا مائير في مقال نشرته صحيفة «الجزيرة» السعودية. كل هذا الود تجاه الصهاينة، قابلته سخرية مذيعة اسرائيلية من التطبيع السعودي القادم مع بلادها في برنامج بالعربية على تلفزيون «مكان» العبري، مخصص «للأشقاء الجدد»، كونه في «اسرائيل» لا يوجد نقاش حول قيادة المرأة للسيارة، ولكونها دولة «ديموقراطية» ولديها انتخابات! وتسمح بالتظاهر والاحتجاج... هي التي تعرف وقياداتها والمطبعين معهم، يعرفون حتماً، أنّه لو سمح لشعوب الخليج بالخروج إلى الشوارع، لخرجوا بالملايين، ولداسوا بإقدامهم العلم الإسرائيلي والسلام المزعوم.