بمنشورٍ قصير على صفحته السَّاخرة على فايسبوك «مش غلط»، أعلم «صانع المحتوى» الشاب محمد علي فوعاني متابعيه بعدم قدرته على الاستمرار بالزخم ذاته في برنامجه السياسي الساخر الذي يحمل الاسم نفسه في الفترة المقبلة، معلناً تعديل وتيرة انتاج الحلقات وعرضها على الصفحة من حلقة أسبوعيَّاً إلى حلقة واحدة كل أسبوعين، في محاولة للتوفيق بين عمله الأساسي الذي يعتاش منه وبين البرنامج الذي يكفي لوصف ظروف انتاجه إيراد العبارة التي عنوَنت بها الزميلة زينب حاوي تحقيقها «محمد فوعاني.. تجربة ساخرة باللحم الحيّ» . اللافت هو ما أورده فوعاني في منشوره عن طرقه أبواباً كثيرة – بلا طائل ــ لتحويل البرنامج إلى وظيفة (كانتقاله إلى إحدى الشاشات التي تتبنى قضيّته ذاتها وفق ظروف انتاجيَّة مقبولة تضمن له التفرغ للبرنامج أو تخصيص وقت أكبر له أقله). متابعو البرنامج الذين شكرهم فوعاني في ختام منشوره لوفائهم، أشادوا بالمحتوى الذي يقدّمه رغم ضآلة الإمكانات وطالبوه بعدم التوقف النهائي، وأسف بعضهم لما اعتبره تقصيراً من القنوات المنتمية إلى الخط الذي تبنَّى البرنامج قضاياه وهو الخط المعارض للسياسات الأميركيَّة في منطقتنا، مقابل ميزانيَّات ضخمة تُرصَد على المقلب الآخر لبرامج مماثلة تبذل جهداً كبيراً في تشويه صورة المقاومة بالاعتماد على القصّ واللصق والاجتزاء والتحريف، بعدما شكَّل «مش غلط» فشة خلق لجمهور هذه المقاومة وصنع إلى حدٍّ ما توازناً مع تلك البرامج استناداً إلى «ميزانيَّة صفر»، وبكوميديا صافية و«نظيفة» لا تعرف القصّ والاجتزاء والتحريف. وما زاد من استياء المعلقين أنَّ المؤسسات الإعلاميَّة المنتظَر منها احتضان هذه التجربة انتقلت أخيراً من مرحلة التنكّر لهذا النوع من البرامج إلى «احتضان برامج مماثلة ولكن بمستوى أدنى من حيث المحتوى والأداء» بحيث يغلب على نصوصها الوعظ والخطابة ويطبع تقديمها الافتعال والمباشرة.
محمد الذي يعمل في برمجة «الأندرويد» ويشرف على إدارة عدد من التطبيقات واسعة الانتشار من بينها تطبيق قناة الميادين وإذاعة النور والقناة التاسعة التونسيَّة وغيرها، تحدَّث لـ «الأخبار» عن مشروعه، معتبراً أنَّه لم يكن يملك من الوقت ما يكفي لإضاعته في البحث عن شهرةٍ لطالما شكَّلت هدفاً ومنطلقاً وحيداً لأغلب «اليوتيوبرز» العرب، ولكنه لاحظ أنَّ الشريحة الأكبر في المجتمع وهي جيل الشباب تستقي الأخبار والمعلومات غالباً من البرامج المماثلة، وحتى الفيديوهات الجديَّة المقتطعة من قنوات إخباريَّة عالميَّة لا تحظى بالانتشار عبر السوشال ميديا إلا بعد مرورها في محطة إلزامية هي البرامج التي تنتمي إلى هذا النوع، ما يحتّم مخاطبة الشباب بوسائل تشبههم والتسليم باقتصار متابعة برامج سياسيَّة جادَّة مثل «لعبة الأمم» أو «حديث الساعة» على شريحة أخرى من الجمهور هي الأكبر سنَّاً.
كل هذا دفع بمحمد إلى أخذ المشروع على عاتقه الخاصّ، ليتعلم المونتاج والأنيميشن وصناعة الشخصيَّات في مدَّة قصيرة، ثم يستعين بصديقَيه علي حوماني (استوديو وكاميرا وإضاءة احترافيَّة)، والكاتب والممثل والمخرج المسرحي علي منصور الذي عاونه في الكتابة والإخراج، ومن قبله يونس الطحش، مؤكداً أنَّ البرنامج لم يكن ليصل إلى المستوى الذي وصله في الحلقات الأخيرة، والذي وصفه معظم المتابعين بالاحترافي، لولا جهود هؤلاء الأصدقاء الذين شاركوه الايمان بالمشروع وبشغف تطوير الذات.
ويشرح فوعاني أنَّ بعض الحلقات الأخيرة باتت تستغرق بين 40 و60 ساعة أسبوعيَّاً لإنجازها، بين بحث وكتابة وتطوير نصّ وتصوير ومونتاج ورسم شخصيَّات وأنيميشن ونشر وخلافه، خصوصاً مع تثبيت فقرة في مقدّمة الحلقة هي عبارة عن تركيب مشهد على مشهد آخر مقتطع من فيلم هوليوودي، بهدف شرح فكرة الحلقة، مشيراً إلى أنَّ نسبة المشاهدة لكل حلقة تتراوح بين 10 آلاف و60 ألف على فايسبوك وبين ثلاثة آلاف و12 ألفاً على يوتيوب.
ومع الظرف الاقتصادي الضاغط أخيراً، واحتياجه إلى مدخول إضافي، لم يعد محمد قادراً على اقتطاع المزيد من وقت عمله لتخصيصه للبرنامج، فارتأى اللجوء إلى حل وسط يجنّبه التوقف النهائي، ويساعده على الاستمرار كأنموذج للشباب يمنحهم الثقة بقدرتهم على العمل والإنجاز رغم الظروف الصعبة، وكان الحل هو تخفيف وتيرة الحلقات وتحويلها إلى نصف شهريَّة.
فهل يكون تقنين الانتاج خطوة على طريق وأد تجربة كوميديَّة ناجحة أتت في أوانها، أم سيواصل فوعاني المشوار مع كوبه الزجاجي المتكلم «فيراس» بعد أن يقتنع القيمون على إدارة المواجهة الإعلامية بأهمية هذا السلاح (طُعِنَت به المقاومة مراراً في السنوات الأخيرة، وبأساليب لا تستند إلى أي معيار مهنيّ أو أخلاقيّ، وصولاً إلى صناعة رأي عام عربيّ كاره للمقاومة تكاد لا تربطه صلة بالشارع العربي الذي رقص طربًا لانتصارات المقاومة في العامين 2000 و2006) خصوصاً حين يكون هذا السلاح بيد أهله من أصحاب المواهب الحقيقيَّة؟