وسط شح في الأعمال الفنية الأردنية، ومحدودية الإنتاج وانعكاس ذلك على جودة الأعمال على اختلافها ـــ وإن كان البدوي هو الطاغي ـــ عُرضت منذ فترة تجربة أردنية جديدة على شكل مسلسل اجتماعي قصير بعنوان «طبابة». يقع العمل في ثماني حلقات بواقع حلقة أسبوعية، تبث على فايسبوك وانستغرام إضافة إلى اليوتيوب.فكرة العمل قائمة على التوعية ومحاولة عرض المشكلات المجتمعية بطريقة ممتعة بعيداً عن الشكل المباشر في الطرح وطريقة التوجيه الأبوية المعتادة وبتجاوز الكوميديا المبتذلة التي أصبحت سمة الكثير من الأعمال المخصصة للعرض عبر السوشال ميديا أو على القنوات المحلية. وبشكل فعلي، قدّم طاقم العمل لغاية اللحظة خمس حلقات بعناوين مختلفة تناولت التعامل السلبي مع الاضطرابات النفسية والتحرش والتنمر والنظرة السلبية لذوي الاحتياجات الخاصة، والإساءة للحيوانات.
تمتاز حلقات المسلسل بالقصر، فهي مصممة خصيصاً على مقاس السوشال ميديا متبعة أسلوب الأفلام التوعوية (PSA). ومع أن الفكرة من هذا النوع من الأعمال تقوم على الالتقاطات والمقاربات اللماحة للمشكلة ولا تعتمد على حوار مسترسل وجمل طويلة، إلا أن المأخذ الأول على «طبابة» يتركز في بساطة الجهد المبذول على الحبكة والحوار مقارنة مع الجودة التقنية الأخّاذة التي تجعل من هفوات العمل وتكرار الفكرة المطروحة ثغرات مقبولة ويمكن التغاضي عنها. إذ أن المخرج، أحمد سمارة (وهو ذاته كاتب العمل بمشاركة آلاء الحسان) استطاع توظيف المؤثرات البصرية والسمعية بشكل ممتاز، يضاف ذلك إلى جودة الموسيقى والمونتاج الذي خدم المادة الفيلمية، ومكّن سمارة من إصابة هدفه بخروج مشاهد ممتعة للعين، تحوي ديناميكية وفنية عالية مع المحافظة على قصر الوقت المرصود للحلقة وتجاوز شعور المشاهد بالملل.
أما طاقم الممثلين، فهم جدد بشكل عام، منهم ممثلان أحمد سرو وأحمد أبو كوش (منتج العمل) معروفان بشكل أكبر كممثلين كوميديين، مما أضفى مسحة من «التعليقات» الخفيفة التي لا نستطيع إطلاق كوميديا سوداء عليها. مشاركة ممثلين جدد من أعمار مختلفة، أضفى نوعاً من الواقعية على العمل كأن المشاهد يرى فيلماً وثائقياً لا عملاً تمثيلياً. وتعزز ذلك بتنوع مواقع التصوير خارج الاستوديوهات التي تكاملت مع أعمال المونتاج بشكل محكم.
بعدما قطعت سلسلة «طبابة» أكثر من نصف الحلقات المرصودة للعرض، يمكن القول بأن هفوة أخرى وقع فيها المخرج بتصوير المشكلات في طبقة اجتماعية واحدة في المجتمع بدون تنويعاته؛ فاختيار «الطبقة الوسط العليا» في المجتمع الأردني إن صح توصيفها بهذا الشكل، تمثل سذاجة في الإعداد وتحاكي صورة مفترضة غير واقعية عن الأردنيين وعكسها على السوشال ميديا مع فلاتر اجتماعية تجميلية لا تمت للواقع بصلة، ولا تشبه الجمهور المتلقي لهذه الحلقات وإن كانت الحلقات قد حققت مشاهدات عالية، فهل ذلك يجعلها ناجحة أو أصابت هدف التوعية من التحرش مثلاً بمحاكمة فعلية وتصوير المتحرشين مثل الذئاب بمقاربة مستهلكة تخلو من الابداع؟
يبقى القول إن نجاح العمل بمقاييس السوشال ميديا مرده المبالغ التي رصدها الداعمون للإنتاج، والتي تفتح باب التساؤل عن مدى إمكانية تبني أولئك الداعمين للأعمال الفنية على تنوعها، وإمكانية المراهنة عليهم في دعم محاولات أكثر جدية وقوة لكتّاب ومخرجين ينتظرون الفرصة التي سنحت لمسلسل «طبابة».